الفعل، وإنما المحرم ترك تعظيم اللَّه تعالى الواجب بسبب اليمين، وهذا لا يعد تحريم الحلال وتحليل الحرام.
أو أريد بالتحريم منع النفس عن ذلك مع اعتقاده بكونه حلالا، لا أن يكون قصد به قصد تحريم عينه، وقد يمتنع المرء عن تناول الحلال؛ لغرض له في ذلك؛ وهو كقوله تعالى:(وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ)، ولم يرد به تحريم عينه، ولا التحريم الشرعي؛ إذ الصبي ليس من أهله، وإنما أريد به امتناعه من الارتضاع إلا من ثدي أمه، فعلى ذلك هاهنا، واللَّه أعلم.
والثاني: أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان ندب إلى حسن العشرة مع أزواجه، وإلى الشفقة عليهن، والرحمة بهن، فبلغ في حسن العشرة والصحبة معهن مبلغا امتنع عن الانتفاع بما أحل اللَّه له، وأباح له التلذذ به؛ يبتغي به حسن عشرتهن، ويطلب به مرضاتهن، فقال:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ)، أي: لا يبلغنَّ بك الشفقة عليهن وحسن العشرة معهن مبلغا تمتنع عن الانتفاع بما أحل اللَّه لك؛ فيخرج هذا مخرج تخفيف المؤنة على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في حسن العشرة معهن، لا مخرج النهي والعتاب عن الزلة؛ وهو كقوله تعالى:(فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ)، تخفيفًا للأمر عليه، وكذلك قال:(وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ)، ليس في الحقيقة نهيًا عن السخاء على النهاية، لكن تخفيفًا للأمر عليه: أن ليس عليك الإسراف في السخاء والنهاية في ذلك؛ بحيث لم تُبق لنفسك وعيالك شيئًا وتؤثر غيرك؛ فعلى ذلك قوله:(لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) خارج مخرج تخفيف المؤنة عليه في حسن العشرة، لا مخرج النهي، واللَّه أعلم.
ثم اختلف أهل التأويل في سبب التحريم:
فمنهم من ذكر أن حفصة - رضي اللَّه عنها - زارت أهلها، والنبي - عليه السلام - في بيت حفصة، فجاءت أم إبراهيم مارية القبطية حتى دخلت على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فواقعها، فجاءت حفصة، وهما نائمان فرجعت إلى بيت أهلها، فمكثت عامة الليل ... القصة، وقالت حفصة في آخر هذا الخبر: ما رأيت لي حرمة، وما عرفت لي حقًّا، فقال لها النبي - عليه السلام -: " اكتمي عليَّ، وهي علَيَّ حرام "، فنزلت هذه الآية.