يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ)، وقال في المؤمنين:(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ)، فثبت أن ما ذكرنا من الحكم هو حكمه في أهل الكفر، ليس في أهل الإيمان، والعقل يدل على هذا، وذلك أن المؤمن قد علم أن الذي سبق منه زلة وارتكاب معصية؛ فهو ليس يحتاج إلى إثبات آيات فتنبهه على أن الذي فعله زلة، فجائز أن تقبل منه التوبة في ذلك الوقت كما تقبل منه قبل تلك الحالة، وأما الكافر فعنده أن ما سبق منه لم يكن زلة ومعصية؛ فيحتاج إلى آيات تنبهه على غفلته، وتذكره بأن الذي فعله معصية، فإذا نزل به البأساء والشدة، فذلك يمنعه عن النظر والتدبر؛ فلا يكون إيمانه عن تحقيق ويقين فلا ينفعه.
والثاني: أنه يفزع إلى التوبة والإيمان؛ ليدفع عن نفسه البأساء؛ لا ليدوم عليه لو كشف عنه العذاب؛ كما قال:(وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا)، فهذا لا ينفعه إيمانه.
فَإِنْ قِيلَ: إن قوم يونس - عليه السلام - قد نفعهم إيمانهم وهم آمنوا بعدما أيقنوا بالعذاب؟
فجوابه من وجهين:
أحدهما: أنه يجوز أن يكون عذابهم موعودًا ولم يكن مشاهدًا قريبًا.
وجائز أن يكون اللَّه علم صدقهم في إيمانهم لو مكثوا فكشف عنهم العذاب لما كانوا متحققين، وغيرهم كان يفزع إلى الإيمان؛ ليكشف عنه العذاب، ثم يعود إلى كفره؛ فلم يقبل منه.
وجائز أن يكون من حكم اللَّه تعالى ألا يقبل من أحد التوبة إذا حل به العذاب، ولكنه يقبلها من المؤمنين؛ إفضالا وإنعامًا، ولا يتفضل على الكافرين الذين آثروا الدنيا على الآخرة، وعلى قول المعتزلة: ليست لله تعالى عليه نعمة ولا على أحد من أهل الإسلام؛ لأن من قولهم: إن اللَّه تعالى إذا علم من كافر أنه يسلم يومًا من الدهر وإن كان بعد ألف سنة، فليس له أن يميته قبل أن يسلم، وعليه أن يوفقه للتوبة، وعليه أن يقبل منه التوبة، فإذا كان هذا كله حقًّا عليه للعبد، لم يكن له موضع نعمة عليه في قبول التوبة؛ لأن من قضى حقًّا عليه وأوصله إلى مستحقه لم يعد ذلك منه إنعامًا؛ فلا يكون لقوله:(لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ) معنى، وقد قال اللَّه تعالى:(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ)، ولو كانت الهداية واجبة عليه، لم يكن له عليهم موضع امتنان.