فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ)، وذكر فيه إعطاء الكتاب بشماله، وذكر فيه ما يبين أنه من أهل الكفر؛ لأنه قال:(إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ. وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)؛ فثبت أن الوعيد المطلق ذكر في أهل الكفر، وكذلك قال:(وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)، ولم يقل: أعدت للخلق، وقال:(وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)؛ فثبت أن أهل النار هم الكفار، ثم المؤمنون قد تعرض منهم زلات ومآثم في هذه الدنيا، والكفار يوجد منهم المحاسن فيها، ولكن أهل الكفر يجزون جزاء حسناتهم في دنياهم؛ لأنهم لا يؤمنون بالآخرة، وإذا لم يؤمنوا بها لم يقع سعيهم لها، وأمكن أن يكون المؤمن يجعل له العقاب بسيئاته في الدنيا فتخلص له الحسنات في الآخرة فيجزى بها.
وجائز أن تكفر سيئاته بالحسنات التي توجد منه؛ لأن المحاسن جعلت سببًا لتكفير المساوى؛ قال اللَّه - تعالى -: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)، وإذا كفرت سيئاته في الدنيا، لم يعذب بها في الآخرة.
وجائز أن يكون اللَّه - تعالى - يعذبهم بقدر ذنوبهم، ثم يعفو عنهم بحسناتهم التي سبقت منهم من الإيمان، وغير ذلك، فكل مؤمن -في الحقيقة- آخره الجنة، ويثقل ميزانه، ويبيض وجهه، ويعطى كتايه بيمينه.
ثم يجوز أن يكون الذي يعاقب بذنوبه من أهل الإيمان يعاقب به قبل أن يعطى كتابه بيمينه، وقبل أن يبيض وجهه ويثقل ميزانه، وقبل أن يبيض وجهه، لم يكن مسود الوجه، ولكن على ما عليه في الدنيا.
ثم متى عفي عنه؟ في الخبر " أن الناس يعرضون يوم القيامة ثلاث عرضات: فأما عرضتان ففيهما خصومات ومعاذير، وأما العرضة الثالثة فتطاير الصحف في الأيدي "، فيجوز أن يكون تعذيبه قبل العرضة الثالثة، ثم يعطى كتابه في العرضة الثالثة بيمينه؛ فتظهر له أعلام السعادة إذ ذاك، فإذا ثبت أن الوعيد المطلق إنما جاء في أهل الكفر، لم