وروي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه سأل جبريل - عليه السلام - أن يراه على صورته، فقال له جبريل:" إنك لا تطيقه؛ لأن الأرض لا تسعني، ولكن انظر إلى أفق السماء "، ولو كان يأخذ الوحي بالجسد الروحاني، لكان قد رأى جبريل - عليه السلام - على صورته فيبطل فائدة هذا السؤال؛ فثبت أن الأمر ليس كما زعموا، بل كان يقبله بالصورة الجسدانية، وأنه كما وصفه اللَّه تعالى بقوله:(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ. . .).
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: النفر: ما بين الثلاثة إلى التسعة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا).
قَالَ بَعْضُهُمْ: العجب: الغريب، وإنَّمَا استغربوا ذلك منه؛ لأنهم سمعوه من أُمِّي لا يعرف الكتابة ولا يقرأ الكتب.
ومنهم من قال بأن حسن تأليفه ونظمه ووصفه هو الذي حملهم على التعجب.
ومنهم من قال: إنما تعجبوا من آياته وحججه؛ لأنه جاء في تثبيت التوحيد، وإثبات الرسالة، وإثبات البعث، ولم يكن لهم معرفة بالوحدانية؛ بل كانوا أهل شرك، ولم يكونوا أهل معرفة بالبعث ولا الرسالة؛ فكانت الآيات عجيبة؛ حيث قررت عندهم هذه الأوجه، واللَّه أعلم.
ثم في هذه السورة وفي قوله تعالى:(وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) إخبار أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يكن يشعر بمجيئهم. وروي في الخبر عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه لما تلى على أصحابه سورة الرحمن، قال لأصحابه:" إن الجن كانوا أحسن إجابة منكم، إني تلوت عليهم هذه السورة، فكانوا يقولون: ما بشيء من آلائك نكذب ربنا، فلك الحمد ". ففي هذا الخبر دلالة أنه قد رآهم وشعر بمجيئهم؛ فيكون فيه إثبات الوجهين جميعا: أن قد شعر مرة، ولم يشعر أخرى.
ثم يجوز أن يكون رآهم بما قوى اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - بصره حتى احتمل إدراك الجن، وضعفت أبصار غيره عن رؤيتهم؛ ألا ترى أن أهل الجنة يرون الملائكة عندما تأتيهم بالتحف من ربهم، فيقوي اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - بصرهم حتى رأوا الملائكة بجوهرهم، وإن ضعفت أبصارهم عن الرؤية في الدنيا، ففي ذلك تجويز أن يكون اللَّه - تعالى - قوى بصر