للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والفرق بامتناعهم عن الإعاذة.

ومنهم من يقول بأنهم كانوا يجيرون من استجارهم، ولكن مع هذا كانوا يفرقون منهم، ومن كيدهم في الأماكن التي لم يستجيروا فيها إليهم، وفي غير الأوقات التي وقعت فيها الإجارة.

وعلى اختلافهم اتفقوا أن الجن هي التي كانت تزيد الإنس رهقا.

وقيل بأن هذا الفعل من الإنس -وهو الاستجارة بهم- شرك؛ لأن اللَّه تعالى هو المجير؛ فكان الحق عليهم أن يستجيروا باللَّه تعالى؛ ليدفع عنهم مكايد الجن، وألا يروا لأنفسهم ناصرا غير اللَّه تعالى، فإذا فزعوا في الاستجارة إلى الجن، فقد رأوا غير الله تعالى يقوم عنهم بالذب والنصر؛ فكان ذلك منهم شركا.

ولأن الجن أضعف من الإنس؛ ألا ترى أنها تختفي من الإنس وتتصور بغير صورتها؛ فرقا؛ لئلا يشعر بها الإنس، وبلغ في ضعفها: أنها لا تقدر على إتلاف أحد من البشر، ولا تقدر على سلب أموالهم، ولا إفساد طعامهم وشرابهم، واستنصار القوي بالضعيف أداة الذلة؛ فيخرج تأويل من قال بأن الرهق هو الذلة والضعف على هذا.

ومنهم من يقول بأن الإنس هي التي كانت تزيد الجن رهقا، وقال: الرهق: التجبر، والتكبر.

وقيل: هو السفه والجهل.

وقيل: هي المآثم.

وقَالَ الْقُتَبِيُّ: هو العبث والظلم؛ يقال: فلان مرهق في دينه؛ إذا كان مفسدا.

ووجه زيادة الرهق: هو أن الرؤساء من الجن كانوا يرون لأنفسهم الفضل على أتباعهم من الجن وعلى الإنس جميعا بما رأوا من افتقار الإنس إليهم حتى احتاجوا إلى الاستعاذة بهم؛ فكان يتداخلهم الكبر من ذلك، ويزدادون به تجبرا وتعظما؛ فكان ذلك يمنعهم عن النظر في حجج الرسل، وكذلك أكابر الكفرة من الإنس كانوا يمتنعون عن الإجابة لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بما يرون لأنفسهم من الفضل على من سواهم؛ ألا ترى إلى قوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>