للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقوموا ثلث الليل، وقد أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنهم لا يحصون حد ما أمرهم به، وإذا لم يحصوا فلا بد أن يقع هناك زيادة ونقصان؛ فكذلك الوتر وإن كان حد عدده غير معروف فهو لا يخرجه عن حكم الفرائض، واللَّه أعلم.

ثم في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ) أن اللَّه وقتما فرض عليهم علم أنهم لا يحصونه؛ ولكن بيّن هذا؛ ليعلموا أن لله تعالى أن يكلفهم إقامة العبادة إلى وقت لا يتهيأ لهم إحاطة مبلغ ذلك الوقت إلا بعد جهد؛ ليعرفوا منة اللَّه تعالى عليهم إذا أسقط عنهم ذلك التكليف، وهو كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا)، ولكن ذكر هذا؛ ليعلموا أنهم يكلفون القيام للعشرة وإن كان بهم ضعف، لكن إذا خفف عنهم، عرفوا ما لله عليهم من عظيم المنة.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَتَابَ عَلَيْكُمْ) يحتمل أن تكون طائفة منهم امتنعوا عن القيام؛ فتكون التوبة راجعة إليهم؛ ألا ترى إلى قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ)، فهذا يبين أنهم جميعًا لم يقوموا معه؛ وإنما قامت معه طائفة؛ فتكون التوبة راجعة إلى الطائفة التي امتنعت عن القيام.

وجائز أن تكون راجعة إليهم، وإلى الذين قاموا معه؛ فيكون الذين قاموا معه قصروا في القيام عن الحد الذي شرط عليهم؛ فافتقروا إلى التوبة - أيضًا - كما افتقر إليها من تخلف عن القيام؛ فتاب اللَّه عليهم جميعا، واللَّه أعلم.

وقوله: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ):

فمنهم من ذكر أن قيام الليل صار منسوخا بهذه الآية.

ومنهم من يقول بأن النسخ وقع بقوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)، وهي الصلاة المفروضة، وليس بينهما فرق عندنا؛ وإنما نسخ بهما جميعا.

ووجه النسخ: هو أن فرض القيام لو كان باقيا، لكان لا يجوز لهم أن يكتفوا من القراءة بما تيسر عليهم؛ لأنهم إذا قاموا إلى ثلث الليل لزمهم تبليغ القراءة إلى حدٍّ يتعسَّر عليهم ويشتد، فإذا أذن بالاقتصار على القدر الذي تيسَّر، عُلِمَ أنه قد سقط عنهم أن يقوموا ثلث الليل. ثم هو إذا قام صلاة المغرب والعشاء قد قرأ من القرآن ما تيسر عليه؛ فصار قاضيا لما اقتضاه قوله: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ)، فمن هذا الوجه استدلوا بهذه الآية على نسخ حكم القيام بالليل، ثم هذه القراءة يقيمها في الصلاة؛ فيكون النسخ واقعا بهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>