للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ) فالاستغفار: هو طلب المغفرة، وذلك يكون باللسان مرة، وبالأفعال ثانيا.

فطلب المغفرة من جهة الفعل: أن ينتهي عن الفعل الذي يستحق عليه العقاب ويجيب إلى ما دعا اللَّه إليه؛ قال اللَّه - تعالى -: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ)، فجعل انتهاءهم عن الكفر ودخولهم في الإسلام سبب مغفرتهم، وقال اللَّه تعالى: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا)، وليس استغفارهم أن يقولوا باللسان: " اللهم اغفر لنا "، ولكن معناه: أن انتهوا عما أنتم فيه من الكفر، وأجيبوا ربكم فيما دعاكم إليه، فهذا هو الاستغفار من جهة الأفعال.

وأما الاستغفار باللسان وهو طلب المغفرة، يكون على وجهين:

أحدهما: أن تسأل ربك التجاوز عن سيئاتك.

والثاني: أن يسأل حتى يوفقه للسبب الذي إذا جاء به استوجب المغفرة، وعلى هذا التأويل يخرج استغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه، وهو أنه طلب من ربه أن يوفقه لما فيه نجاته، وهو الإسلام، لا أن يسأل ربه أن يغفر له مع دوامه على الكفر؛ ألا ترى أنه امتنع عن الاستغفار له حيث تقررت عنده عداوته لله تعالى، وعلم أنه لم يوفق للسبب الذي يستوجب به المغفرة؛ قال اللَّه تعالى: (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ)؛ فثبت أنه لم يطلب منه المغفرة مع دوامه على الكفر، ولكن للوجه الذي ذكرنا، واللَّه أعلم.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>