هذه الآية، ويستذكره؛ مخافة النسيان إلا بأخبار متواترة؛ لأن هذا في حق الشهادة على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ولا تجوز الشهادة على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يفعل كذلك إلا بتواتر الأخبار، فأما أن يثبت بخبر واحد فلا.
ولا يقال بأنه لو لم يتقدم منه التحريك، لكان لا معنى للنهي؛ فإنه ليس فيه ما يثبت مقالتهم، ويصحح تأويلهم، ويسوغ لهم الشهادة؛ لأنه يستقيم في الابتداء أن ينهى فيقال:(لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ)، ولا تفعل كذا، وإن لم يسبق منه ارتكاب ذلك الفعل، ولا تقدم منه تحريك لسان؛ فثبت أنه ليس في ضمن هذه الآية بيان ما ادعوا.
هذا إذا ثبت أن قوله:(لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ)، وقوله:(وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ)، على النهي؛ فكيف وهو يحتمل معنى آخر غير النهي، وهو أن يكون هذا على البشارة له بالكفاية: أن قد كفيت مؤنة الاستذكار للحفظ، وهذا من عظيم آيات الرسالة أن السورة تلقى عليه؛ فيحفظها كما هي، مما يشتد على الناس حفظه وقراءته إلا أن يتكلفوا، ويجتهدوا في ذلك؛ فيعلم بهذا أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - هو الذي أقدره على ذلك، وجعله آية من آياته، واللَّه أعلم.
ثم الأصل أن من ألقى إلى آخر كلاما متتابعا، نظر في ذلك الكلام:
فإن كان القصد منه حفظ عين الكلام، فإن المخاطب به لا ينتظر فراغ المتكلم عن ذلك الكلام، بل يشتغل بالتقائه وتحفظه ساعة ما يلقى إليه، كمن ينشد بين يدي آخر شعرًا، وأراد الآخر أن يحفظ ذلك الشعر ويعيه، فهو لا ينتظر فراغ المنشد عن شعره، بل هو يأخذ بالتقائه في أول ما يسمع منه؛ إذ الغرض من الأشعار حفظ أعينها دون معانيها؛ ألا ترى أن الألفاظ إذا حذفت منها خرجت عن أن تكون شعرا.
وأما إذا لم يكن القصد من الكلام ضبط عينه، وإنما أريد به تفهيم ما أودع فيه من المعنى، فالعادة في مثله الإصغاء إلى آخر الكلام؛ ليفهم معناه، وما يراد به؛ ألا ترى أن من كتب إلى آخر كتابا فإن المكتوب إليه يقرأ الكتاب من أوله إلى آخره؛ ليعرف مراد الكتاب، لا أن يشتغل بضبط ما أودع به من الألفاظ؛ إذ ليس يقصد بالكتابة إلى حفظ الألفاظ.