وهذا يدل أن ما يعملون من خير أو شر إنما يعملون لأنفسهم، ولمنفعة ترجع إليهم، أو مضرة تندفع عنهم.
والثاني:(رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ) بما أكرمهم من الثواب لأعمالهم التي عملوا لأنفسهم، ورضوا عنه بكرامته التي أكرمهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ) هذا منه إفضال وإنعام؛ حيث ذكر رضاه عنهم، وإن ذكر العفو والتجاوز كان حقا، ولكن هذا كما ذكر من لطيف معاملته عباده؛ حيث سمى ما ادخروا في وقت حاجتهم إليه: قرضا؛ حيث قال:(. . . وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا. . .)، وسمى بذلهم أنفسهم وأموالهم سرًّا، وما يعملون لأنفسهم - جزاء وشكرا، وأموالهم وأنفسهم في الحقيقة له، ولكن سمى بالذي ذكرنا؛ لطفا منه وفضلا؛ فعلى ذلك ما ذكر من رضاه عنهم به، وكذلك قوله:(وَرَضُوا عَنْهُ) وذكر رضاهم عنه بفضله ولطفه، وإلا من هم حتى يذكر منهم الرضا عن اللَّه تعالى؟!.
ثم هو يخرج على وجهين سوى ما ذكرنا:
أحدهما: رضوا عنه بما امتحنهم في الدنيا بالمحن الشديدة العظيمة، وإن اشتدت تلك، وثقلت على أنفسهم إذا رأوا إحسان اللَّه - تعالى - وفضله في الآخرة.
والثاني: رضوا عنه بالنعم التي أكرمهم في الجنة، (. . . لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا)، ولا يريدون غيرها، ولا يملون على ما يملون في الدنيا.
قال أَبُو عَوْسَجَةَ:(مُنْفَكِّينَ)، أي: لا يزالون على هذه الحال، يقول الرجل: ما انفككت أفعل كذا وكذا، أي: ما زلت أفعل كذا وكذا.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ وأبو عبيد وغيرهما: المنفكين: زائلين.
أي: الذي ذكر من الجزاء لمن خشي نقمته، أو خشي سوء صحبة نعمه، وأصله أن من اجتنب المعاصي وعمل بالطاعات، فإنما يفعل ذلك؛ لخشية ربه - تعالى - وكل من كان أعلم بربه فهو أخشى لربه تعالى، ومن كان أجهل به فهو أجرأ؛ قال اللَّه - تعالى -: (. . . إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ. . .).
وقال الحسن: الخشية: هي الخوف اللازم في القلب الدائم فيه، أو خشي خلافه وكفران نعمه، واللَّه أعلم، والحمد لله رب العالمين.