للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم منهم من جعل لهم القتال في الحرم وفي أشهر الحج بظاهر هذه الآية.

ومنهم من قال: لا يقتل فيهما جميعًا.

وقال أصحابنا رحمهم اللَّه تعالى: يقتل في الشهر الحرام، ولا يقتل في الحرم إلا أن يبدأهم بالقتال، فحينئذ يقتلهم.

وكذلك يقولون فيمن قتل آخر ثم التجأ إلى الحرم: لم يقتل فيه، ولكن لا يؤاكل ولا يشارب ولا يجالس حتى يضطر فيخرج، فيقتل.

وإذا قتل في الحرم يقتل. فعلى ذلك لا يقاتل في الحرم إلا أن يبدأهم بالقتال، فعند ذلك يحل القتل.

وإنما لم يحل القتال في الحرم إلا أن يبدءوهم به، وإن كان ظاهر قوله: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) يبيح القتل في الأمكنة كلها، بقوله: (وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ)، استثنى الحرم دون غيره من الأماكن.

وأما قوله: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ)، ظاهر هذه الآية يحرم القتال في أشهر الحج، لكن فيه دليل حل القتال بقوله: (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ)، يعني بالفتنة الشرك، جعل القتل فيه كبيرًا، ثم أخبر أن الشرك فيه أكبر وأعظم من القتل.

فالأصل عندنا: أن الابتلاء إذا كان من وجهين يختار الأيسر منهما والأخف؛ فلذلك قلنا: إنه يختار القتل في الحرم على بقاء الفتنة -وهو الشرك- إذ هو أكبر وأعظم. والله أعلم.

وقوله: (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ).

يحتمل: (وَأَخْرِجُوهُمْ) من مكة كما (أَخْرَجُوكُمْ) عام الحديبية.

ويحتمل: أن أمرهم بأن يضيقوا عليهم ويضطروهم إلى الخروج كما فعل أهل مكة بهم.

ويحتمل: الإخراج على ما جاء: " ألا لا يحجن مشرك بعد عامي هذا ".

<<  <  ج: ص:  >  >>