للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعن عائشة، رضيَ اللَّهُ تعالى عنها، قالت: " قلت: يا رسول اللَّه، أكل أهلك يرجع بحجة وعمرة غيري؟ قال: انفري فإنه يكفيك ". إلى هذه الأخبار ذهب أصحابنا.

والأصل: احتج أصحابنا أيضًا بشيء من النظر؛ وذلك أن اللَّه تعالى فرض الصلاة والزكاة والصيام في أوقات خصها بها، وأجمع أهل العلم أن المتطوع بالصدقة والصلاة والصيام يفعل ذلك متى شاء، ثم أجمعوا أن العمرة لا وقت لها؛ فدل ذلك على أنها تطوع؛ إذ لو كانت فريضة كان لها وقت مخصوص يفعل فيه كغيرها من الفرائض.

فَإِنْ قِيلَ: إن الحج التطوع مخصوص بوقت مخصوص المفروض منه، فكما لا يدل الخصوص الذي في الحج التطوع على وجوبه، فكذلك العموم الذي في العمرة لا يدل أنها تطوع.

قيل: وجدنا الفرض كله مخصوصًا بوقت، ووجدنا التطوع على ضربين: منه ما هو مخصوص؛ كالحج، ومنه ما هو غير مخصوص؛ كالصلاة والصيام والصدقة. فلما لم نجد في الفرض ما ليس بمخصوص بوقت، أجعلنا كل ما ليس بمخصوص بوقت تطوعًا غير فرض.

واحتجوا أيضًا: بأنا وجدنا العمرة تفعل في أشهر الحج، ولم نجد صلاتين تفعلان في وقت واحد فريضتين، ولكن تفعل الصلاة التطوع في وقت الفريضة؛ فثبت لما جاز أن يجمع بين فعل الحج والعمرة في وقت واحد أنها تطوع؛ كالصلاة التي تفعل في وقت القهر وغيرها.

واحتج من جعلها فرضًا بأن قال: لم نجد شيئًا يتطوع به إلا وله أصل في الفرض، فلو كانت العمرة تطوعًا لكان لها أصل في الفرض.

قيل: العمرة إنما هي الطواف والسعي، ولذلك أصل في الفرض -فرض الحج- مع ما أنا وجدنا الاعتكاف تطوعًا، وليس له أصل في الفرض. فعلى ذلك العمرة.

والأصل: أن كل ما يبتدئ اللَّه إيجابه على عباده فإنه يوجب فعلها بأوقات أو يجعل لأدائها أوقات، والعمرة ليس لوجوبها وقت، ولا لأدائها. ثبت أنها ليست مما أوجبها اللَّه تعالى.

وقوله: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ).

قوله: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) الآية على الإضمار، كأنه قال - واللَّه أعلم -:

<<  <  ج: ص:  >  >>