والصدقة: هي ثلاثة آصع على ستة مساكين، على ما ذكر في خبر كعب بن عجرة، رضيَ اللَّهُ تعالى عنه.
فأما الصوم: فإن المتمتع إذا لم يجد هديا، صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله. فأجمعوا على أن له أن يصوم السبعة بمكة وفي غيرها. فصوم الفدية كذلك. وكذلك الثلاثة الأيام إذا صامها بعد إحرامه بالعمرة عندنا، وبعد إحرامه بالحج عند مخالفينا بمكة بغيرها، فهي مجزئة، وكذلك صيام الفدية تجزئه حيث صامه قياسًا على صوم المتمتع.
فأما الصدقة: فإن الشافعي رحمه اللَّه ذكر أنها لا تجزئ إلا بمكة.
وقال: لأن أهل الحرم ينتفعون بها كما ينتفعون بالهدْي.
فيقال له: أرأيت إن ذبح الهدْي بغير مكة، ثم تصدق به على أهل الحرم هل يجزئه ذلك؟ فإن قال: لا، قيل له: قد بطلت علتك حيث لم يجز التصدق على أهل الحرم، وبان أن الدم خص بأن يهراق في الحرم؛ لأن اللَّه تعالى قال:(حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ). فأما الصدقة فهي مجزئة حيث كانت.
ثم اختلف في الذي يحلق قبل أن يذبح بغير أذى:
فقال أبو حنيفة - رضي اللَّه تعالى عنه -: يجب عليه دم. والحجة له: بأن اللَّه - تبارك وتعالى - منع المحصر من الحلق (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)، فإن حلق رأسه لأذى فعليه دم آخر؛ لأن الآية الكريمة في الحلق في المحصر، فإذا كان الذي يصيبه الأذى في رأسه قبل الوقت الذي أذن له فيه فدية، بل الذي يحلق رأسه بغير أذى أحرى أن يكون عليه الفدية. وأبو حنيفة، رضيَ اللَّهُ تعالى عنه، يزيد في التغليظ عليه، فيقول: لا يجزئه غير الدم، ويخير صاحب الأذى بين الدم، والصدقة، والإطعام، كما أخبر اللَّه تعالى. فدليل القرآن شهد لمذهبه.
وخالفه جماعة من أكل العلم فيمن حلق قبل أن يذبح وليس بمحصر، ووافقوه في المحصر. واحتجوا بما رُويَ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، أنه لما سئل عن رجل حلق قبل أن يذبح فقال:" اذبح ولا حرج ". لكن قوله:" افعل ولا حرج "، يرجع إلى الإثم، دون الكفارة،