أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا).
(قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ)، بعد الحرمة (وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)، قبل الحرمة، (وَإِثْمُهُمَا)، بعد الحرمة (أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)، قبل التحريم.
والمنفعة في الميسر: بعضهم ينتفع به، وبعضهم يخسر، وهو القمار.
وذلك أن نفرًا كانوا يشترون الجزور فيجعلون لكل رجل منهم سهمًا، ثم يقترعون، فمن خرج سهمه برئ من الثمن حتى يبقى آخر رجل، فيكون ثمن الجزور عليه وحده، ولا حق له في الجزور، ويقتسم الجزور بقيتهم.
وقيل: يقسم بين الفقراء؛ فذلك الميسر.
ثم قال: (فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ)، في ركوبهما؛ لأن فيهما ترك الصلاة، وترك ذكر اللَّه، وركوب المحارم والفواحش.
ثم قال: (وَمَنَافِعُ للِنَّاسِ)، يعني التجارة، واللذة، والربح.
ثم اختلف فيه:
قال قوم: إن الخمر محرمة بهذه الآية حيث قال (إِثْمٌ كَبِيرٌ)، والإثم محرم بقوله: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ).
وقال قوم: لم تحرم بهذه الآية؛ إذ فيها ذكر النفع، ولكن حرمت بقوله: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ)، والرجس محرم، وقال اللَّه تعالى: (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ)، وعمل الشيطان محرم.
ثم أخبر في آخرها أنه: (يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ)، وذلك كله محرم.
والأصل عندنا في هذا: أنهم أجمعوا على حرمة الميسر مع ما كان فيه من المنافع للفقراء وأهل الحاجة والمعونة لهم؛ لأنهم كانوا يقتسمون على الفقراء، فإذا حرم اللَّه هذا ثبت أن المقرون به أحق في الحرمة مع ما فيه من الضرر. الذي ذكرنا. واللَّه أعلم.
وقال الشيخ، رحمه اللَّه تعالى، في قوله: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ): ولم يبين في السؤال أنه عن أي أمرهما كان السؤال؛ وأمكن استخراج حقيقة ذلك عن الجواب بقوله: (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ)، كان السؤال كان " عما فيهما "؛ فقال: فيهما كذا.
وعلى ذلك قوله: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى)، كأن السؤال عما يعمل في أموال اليتامى، من المخالطة وأنواع المصالح، وكذلك قوله: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) كأنه قال: عن غشيان في المحيض، إذ في ذلك جرى الجواب فلم يبين