للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وله وجه آخر: وهو أن سبب الحنث في اللغو والغموس تلاقى العقد، فلم يصح به اليمين؛ لأن الحنث نفسه يسقط اليمين، فإذا لاقى الحنث اليمين منع صحتها ووجوبها. فإذا كانت هذه اليمين غير صحيحة في العقد، لم يلزم الكفارة؛ لخروجها عن الشرط. ثم لم يزل عنه -في الغموس- الإثم؛ لتعمده الكذب.

وقال الفقيه أبو منصور - رحمه اللَّه تعالى -: والقياس عندي في التعمد بالحلف على الكذب أن يكفر؛ ولهذا ما لحقه الوزر لما أن الأيمان - جُعلت للتعظيم لله - تعالى - بالحلف فيها، والحالف بالغموس مجترئ على اللَّه - تعالى - مستخف به؛ ولهذا نهى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن الحلف بالآباء والطواغيت؛ لأن في ذلك تعظيمًا لهم وتبجيلاً.

فالحالف بالغموس كالذي هو مجترئ ومستخف، فالوزر له بالجرأة لازم، ثم المتعمد مجترئ مستخف باللَّه - تعالى - على المعرفة؛ لأنه لا يسع، فسبيله سبيل أهل النفاق - إظهارهم الإيمان بما فيه استخفاف، وإن كان سببها للتعظيم، للاستخفاف لزمهم العقوبة بذلك، كذا الأول، ولكنه بالحلف خرج فعله على الجرأة للوصول إلى مناه وشهوته، لا للقصد إليه. وعلى ذلك يخرج قول أبي حنيفة - رضي اللَّه تعالى عنه - في سؤال السائل: إن العاصي مطيع للشيطان، ومن أطاع الشيطان كفر، كيف لا كفَّر العاصي؟ فقال: لأنه خرج فعله في الظاهر مخرج الطاعة له، لا أن القصد يكون طاعته، وإنَّمَا يكفر بالقصد لا بما يخرج فعله فعل معصية؛ فكذا الأول. واللَّه أعلم.

وعلى ذلك جاء في أمر اللعان من القول بأن " أحدكما كاذب فهل منكما من تائب "، ففيه وجهان:

<<  <  ج: ص:  >  >>