للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم إن الزوجين يحكمان عن أنفسهما برضاع ولدهما لذلك يحتج إلى نظير غيرهما، ولا إلى رأي آخر، لما لا يجوز أن يعدم شفقتهما جميعًا عن ولدهما. وأما إذا كان الحكم لغيرهما أو على غيرهما فلا بد من أن يحكم غيره، دليله: قوله تعالى: (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ)، وكقوله: (فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا) فهذا الحكم على غيرهما؛ ولذلك احتيج إلى غيرهما؛ وذلك الزوجان يحكمان على أنفسهما وينظران لولدهما؛ لذلك افترقا. واللَّه أعلم.

و (الجناح) و (الحرج) واحد: وهو الضيق، ومعناه: أي لا ضيق ولا تبعة عليهما، ولا إثم إذا أرادا فطامه بدون الحولين.

وقوله: (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ).

فيه دلالة جواز الرضاع بعد الحولين وحرمته؛ لأنه ذكر في قوله: (فَإن أرَادَا فِصَالا) بتراضيهما بدون الحولين.

ثم قوله: (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ) يصير استرضاعا بعد الحولين.

إذ ذكر الرضاع في الحولين بقوله: (لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)، وذكر الفصال بدون الحولين بقوله: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ) فحصل قوله: (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ) بعد الحولين. وهذا يدل لقول أبي حنيفة، رضيَ اللَّهُ تعالى عنه، ويقوي مذهبه.

ويحتمل: أن تكون الآية في جواز استرضاع غير الأمهات إذا أبت الأم رضاعه؛ وهو كقوله: (وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).

وقوله تعالى: (إِذَا سَلَّمْتُمْ)، يعني إذا سلمتم الأمر لله تعالى، (مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ)، أي قبلتم، ليس هو على الإيتاء، ولكن على القبول، دليل ذلك قوله تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ)، ليس هو الإيتاء نفسه، ولكنه على القبول كأنه قال: فإن تابوا وقبلوا إقامة الصلاة وعهدوا إيتاء الزكاة فخلوا سبيلهم، فعلى ذلك الأول.

و (مَا آتَيْتُمْ) أي قبلتم إيتاء ما عهدوا وهو الأجر.

وقد يكون (مَا آتَيْتُمْ)، أي: عقدتم عقد الإيتاء؛ إذ الإيتاء هو الإعطاء والعطية عقدتم

<<  <  ج: ص:  >  >>