والثاني: أن ذكر خيراته لحاجة تقع للمذكور له تكون في مثلها، لا تكون في الآخرة خاصة، واللَّه - تعالى - يتعالى عن الحاجة عما بالعباد؛ لذلك اختلفا. واللَّه أعلم.
فإن قال لنا قائل: إن جميع ما ذكر في هذه الآية -من أولها إلى آخرها- كلها دعوى، فما الدليل على تلك الدعوى؟
قيل: يحتمل أن يكون دليله ما تقدم ذكره من قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. . .) الآية.
والثاني: من أنكر الصانع فيتكلم أولا معه في حدث العالم، وحاجته إلى محدث، فإذا ثبت حدث العالم، فحينئذ يتكلم في إثبات الصانع ووحدانيته. وباللَّه التوفيق.
وفي قوله تعالى: (واحد)، ليس من حيث العدد؛ لأن كل ذي عدد يحتمل الزيادة والنقصان، ويحتمل الطول والعرض، ويحتمل القصر والكسر، ولكن يقال: ذلك (واحد) من حيث العظمة والجلال والرفعة، كما يقال: فلان واحد زمانه، وواحد قومه، يعنون به رفعته وجلالته في قومه وسلطانه عليهم، جائز القول، فهم لا يعنون من جهة العدد؛ لأن مثله كثير فيهم من حيث العدد. واللَّه أعلم.
وقوله: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ).
هذا على المعتزلة؛ لأنهم لا يصفونه بالعلم، وقد أخبر أن له العلم.
ثم احتمل: (عِلْمِهِ)، علم الغيب.
وقال آخرون: علم الأشياء كلها. لا يعلمون إلا ما يعلمهم اللَّه من ذلك، كقول الملائكة: (لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا).
ومن قال: علم الغيب، فهو الذي قال: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ).
وقوله تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ)، وسع علمه. وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رضيَ اللَّهُ تعالى عنه.
وقال آخرون: (كُرْسِيُّهُ)، قدرته، وهو وصف بالقدرة والعظمة.
وقيل: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ)، والكرسي هو أصل الشيء، يقال: كرسي كذا، والمراد منه أنه المعتمد والمفزع للخلق. وذلك وصف بالعظمة والقوة.