للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التداين، كما يسمى البائع والمشتري: المتبايعين؛ لأن كل واحد منهما بائع في وجه، ومشترٍ في وجه. فعلى ذلك المداينة والتداين. واللَّه أعلم.

وقوله تعالى: (إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى):

فالعرف في الإسلاف عند الناس: ألا يخلى عن الأجل، فصار الأجل بالعرف شرطا في جواز السلم وإن لم يؤجل؛ لأن الرجل لا يسلم السلف ليؤديه حالة الإسلاف؛ لأن الحاجة هي التي تحمله على الإسلاف فهو إنما يسلف ليؤديه في وقت ثان؛ لأنه لو كان عنده حاضرا لا يحتاج إلى غيره، ولكنه يبيعه فيصل إلى حاجته، ولا يتحمل الْمُؤْنة العظيمة، فصار في العرف كأنه بأجل، يفسد لترك بيان الأجل. واللَّه أعلم. وعلى ذلك رُويَ عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، أنه قال: " من أسلف فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم ".

ثم أمر عَزَّ وَجَلَّ بالكتابة في التداين بقوله: (فَاكْتُبُوهُ)، وذلك - واللَّه أعلم - لأنه وصل إلى حاجته بقبض رأس المال والآخر لم يصل؛ فلعل ذلك يحمله على إنكار الحق والجحود؛ فأمر عَزَّ وَجَلَّ بالكتابة؛ احترازا عن الإنكار وجحود الحق له؛ لأنه إذا تذكر أنه كتب وأشهد عليه يرتدع عن الإنكار والجحود؛ فهو كما ذكرنا في قوله: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ)؛ لأنه إذا ذكر أنه يقتل ارتدع عن قتل غيره؛ فكذلك إذا ذكر أنه مكتوب عليه يمتنع من الإنكار والجحود؛ لما يخاف ظهور كذبه وفضيحته على الناس، واللَّه أعلم.

ولا كذلك بيع العين بالعين؛ لأن كل واحد منهما لا يصل إلى حاجته إلا بما يصلي به الآخر، فليس هنالك للإنكار معنى؛ لذلك لم يؤمر بالكتابة في بيع الأعيان، وأمر في المداينات. واللَّه أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>