للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويدعوهم إليها، ويريهم زينتها - فنعم. وإن عنوا أنّه يزينها بحيث نَفَّسَهَا لهم - فلا؛ لأن اللَّه - تعالى - وصف الشيطان بالضعف، ونفى عنه هذه القدرة بقوله: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)، فلو جعلنا له التزيين لهم على ما قالوا، لم يكن كيده على ما وصفه - عزّ وجلّ - بالضعف؛ ولكن كان قويا، ولكنه يدعوهم إليها، ويرغبهم فيها، ويريهم المزين لهم، ثم دعاؤه إياهم، وحخثه في ذلك، وقوته من حيث ما لا يطلع عليه بقوله: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ)، فالعدو الذي يَرَى هو من يعاديه، ولا يُرَى هو - كان يجب أن يكون أحذر منه، وأخوف ممن يرى.

ووجه آخر: أن الشهوات التي أضاف التزيين إليها لا خلاف بينهم في أنها مخلوقة لله تعالى، فما بقي للشيطان إلا الدعاء إليها، والترغيب فيها.

وفيه وجه آخر: أنه لو لم يجعل هذا مزينًا من اللَّه تعالى، زال موضع استدلال الشاهد على الغائب، وبالدنيا على الآخرة. وقد جعل ما في الدنيا نوعين: مستحسنا ومستقبحًا.

وجعل ذلك عيارًا لما أوعد ووعد، فلما لم يكونا منه-لا يصح موضع التعيير، لأنه - جلّ وعلا - بلطفه سخر كل مرغوب في الدنيا، ومدعو إليه من جوهره- في الآخرة، وحسنه؛ ليرغب الناسَ هذا إلى ما في الجنة بحسنه ولطفه وزينته، ويدعوهم إلى ترك ما في الدُّنيَا من الفاني إلى نعيم دائم أبدًا، فلو جعل هذا من تزيين الشيطان - لعنه اللَّه - ومصنوعه لهم، لذهب عظيم موضع الاستدلال الذي ذكرنا؛ فدلّ أنه مزين منه عَزَّ وَجَلَّ، تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.

ثمّ امتحنهم اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - بترك ما زين لهم في الطباع؛ بما ركب لهم من العقول الوافرة؛ ليختاروا ما حسن في العقول وتزين، وعلى ذلك جرت الكلفة والخطاب، لا بما مالت إليه الطباع، ونفرت عنه العقول، وباللَّه التوفيق.

ثم في الآية دلالة وجوب الحق في كل ما ذكر في الآية من المال، وكذلك الخيل،

<<  <  ج: ص:  >  >>