وجل، أن إبراهيم - عليه السلام - ليس على دين سوى دين الإسلام، والإسلام هو الإخلاص، على ما ذكرنا فيما تقدم، وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال:" شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ: أَنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، وَأنَّهُ قَائِمٌ بِالْقِسْطِ، وَالْقِسْطُ: هُوَ العَدْلُ فِي جَمِيعِ القُرآنِ ".
يحتمل الاختلاف: التفرق، أي: تفرقوا في الكفر؛ كقوله:(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) الآية. ويحتمل: الاختلاف: نفس الاختلاف في الدِّين؛ كقوله:(وَلَكِنِ اختَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كفَرَ): أخبر أنهم لم يختلفوا عن جهل؛ ولكن عن علم وبيان؛ كقوله:(إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ).
ثم يحتمل قوله:(إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ) وجهين: أي: لم يختلفوا إلا من بعد ما علموا وعرفوا.
ويحتمل: أي: لم يختلفوا إلا من بعد ما أوتوا أسباب: ما لو تفكروا وتدبروا - لوقع العلم لهم بذلك والبيان، لكنهم تعنتوا وكابروا؛ فاختلفوا.
ثم في الآية دليل ألا يجوز أن يُفسَّر قوله:(وَجَاءَ رَبُّكَ)، وقوله:(إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ)، ونحوه: بالانتقال من حال إلى حال، أو من مكان إلى مكان؛ لأنه ذَكَرَ مجيءَ العلم، والعلم لا يوصف بالمجيء ولا ذهاب، وكذلك قوله:(وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ): ذكر مجيء الحق وزهق الباطل؛ فهما لا يوصفان بمجيء الأجسام، وذهابهم بالانتقال والتحول من مكان إلى مكان، ولا يعرف ذلك ولا يصرف إليه؛ فعلى ذلك لا جائز أن يصرف قوله:(وَجَاءَ رَبُّكَ)، (استَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، ونحوه - إلى المعروف من استواء الخلق ومجيئهم؛ لتعاليه عن ذلك، قال: والمجيء لا يكون عن الانتقال خاصة؛ بل يكون مرة ذاك وأخرى غيره،