للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يتناقض، ولا قوة إلا باللَّه.

وأيضًا، أنه قد صير كل جوهر بأحداث الآخر؛ كأنه لم يكن قط، ولا كان بقي له أثر، ثم رده بالوصف الذي كان؛ حتى لا يفوت منه شيء، حتى لا سبيل إلى العلم بالتفصيل بينهما؛ ليعلم أن قدرته على البعث، بعد أن يفنى كل الأجزاء والآثار، على ما كان، ولا قوة إلا باللَّه.

وأيضًا، أنه إذ بني الأمر على ما فيه من عظيم الحكمة، وعجيب التدبير - لم يجز أن يكون فعله خارجًا على العبث، ثم في رفع المحنة، وإبطال الرسالة في تعليم ما في ذلك من الحكمة، وما يلزم بمكان ذلك التدبير من الشكر والمعرفة، ثم من الترغيب فيما يملك من النعمة، والترهيب عما عنده من النقمة - إبطال الحكمة، وتقرير العالم مَع ما ذكرت على العبث، وذلك فاسد في العقول، وموجود في الجواهر عظيم حكمة منشئها، ثبت بذلك العبادة والرسالة والجزاء، ولا قوة إلا باللَّه.

وقوله: (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) إلى آخره: يحتمل وجهين: يحتمل أن تؤتي ابتداء من غير أن كان آتاهم مرة؛ وكذلك تنزع -أي تمنع- ابتداء من غير أن كان آتاهم، ثم ينزع؛ كقوله: (رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ)، رفع ابتداء من غير أن كانت موضوعة فرفعها؛ وكقوله: (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)، إخراج الابتداء، لا أن كانوا فيها ثم أخرجهم، فعلى ذلك هذا، وعلى ذلك قوله: (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ) إيلاج ابتداء، لا أن كان أحدهما في الآخر؛ كقوله - تعالى -: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)، و (النَّهَارَ سَرْمَدًا)، أخبر أنه لم يجعل واحدًا منهما مؤبدا؛ وكذلك قوله: (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) إخراج ابتداء؛ أن يخلق الحي من الميت

<<  <  ج: ص:  >  >>