للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عنهم، على ما في ذلك من الاختلاف الذي يمنعهم الأمرين جميعًا، لكنهم إذا لم يكونوا أهل نظر في الدّين ومحاجةٍ فيه، لم يعرفوا أن ذلك يمنعهم التقليد؛ فأظهر لهم الحجج، وأنبأهم بالمودع من حجاج أنبيائهم في كتبهم، وألزمهم أن في آبائهم من يلزم التقليد، كانوا أحق بذلك بما كان عندهم أن آباءهم كانوا على دينهم بما بيَّن من تغييرهم وتبديلهم، وتركِ الواجب عليهم من حق الاتباع، واللَّه أعلم.

والثاني: أن أظهر فيهم الاختلاف في أئمتهم، على ادعاء كل منهم أن ذلك هو الذي كان عليه الأنبياء والرسل في أهل الكتاب؛ وحاجات غيرهم بما ليس عندهم إلا آراء ليس عندهم فضل على القول، ثم كان معلومًا عند الاختلاف والتفرق؛ فصارت الحاجة قد عمتهم، والعلم بهم في لزوم الأحكام إلى من يدلهم على الحجة ويعرفهم الحق الذي قد تقرر عندهم؛ فبعث اللَّه بفضله من أظهر لهم بما أنطق به لسانه من الحجاج، وأراهم من علمه مما غيروا حِفظ ما كان عليه أوائلهم؛ فكان ذلك أظهر البيان، وأولى ما يعرف من أفضال اللَّه عليهم بالإغاثة، والامتنان عليهم بالفرج مما قد مستهم إليه الحاجة، ودفعهم إلى العلم به الفاقة، واللَّه الموفق.

وفي الفصل الأول بقي حرف لم نذكره، وهو أنْ دعاهم إلى الزهد في الدنيا بعد الركون إليها، وإلى الأخوة في الدِّين بعد ظهور التفاخر بينهم بتكثير العشائر، وتقابل القبائل، والسخاء بجميع ما طبعوا عليه بما قدّر عندهم: ما إليه ترجع عواقب أمرهم، وقام بذلك على قهر العادة ومخالفة الطبيعة التي يعلم أن ذلك في مثل ذلك العصر آية سماوية خارجة عن وسع البشر؛ ليكون أقطع لعذرهم، وأسكن لقلوبهم إليه؛ فلله الحمد على ذلك.

وقوله، (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ. . .) الآية.

قيل فيها بأوجه:

أحدها: أنها العدل، وهي كلمة التوحيد، وكانت عدلًا باتفاق الألسن؛ إذ سئلوا عمن خلق السماوات والأرض في الفزع إليه بالإجابة، وشهادة الخلقة على وحدانية من له الخلق والأمر، واللَّه أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>