للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأهلُ الكوفة يُثبِتون شفعةَ الجوار مع تميز الطرق والحقوق. وأهلُ المدينة يُسقِطونها مع الاشتراك في الطريق والحقوق. وأهلُ البصرة يوافقون أهلَ المدينة إذا صُرِّفت الطرق ولم يكن هناك اشتراكٌ في حقٍّ من حقوق الأملاك، ويوافقون أهلَ الكوفة إذا اشترك الجاران في حقٍّ من حقوق الأملاك كالطريق وغيرها. وهذا [٣٣٠/أ] هو الصواب، وهو أعدَلُ الأقوال، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (١).

وحديث جابر الذي أنكره من أنكره على عبد الملك صريح فيه، فإنه قال: «الجار أحَقُّ بسَقَبه، يُنتظر به وإن كان غائبًا إذا كان طريقهما واحدًا»، فأثبت الشفعة بالجوار مع اتحاد الطريق. ونفاها به مع اختلاف الطريق بقوله: «فإذا وقعت الحدود وصُرِّفت الطرق فلا شفعة». فمفهوم حديث عبد الملك هو بعينه منطوق حديث أبي سَلَمة، فأحدُهما يصدِّق الآخر ويوافقه، لا يعارضه ويناقضه، وجابرٌ روى اللفظين. فالذي دلَّ عليه حديثُ أبي سلمة عنه من إسقاط الشفعة عند تصريف الطرق وتمييز الحدود هو بعينه الذي دلَّ عليه حديثُ عبد الملك عن عطاء عنه بمفهومه. والذي دلَّ عليه حديثُ عبد الملك بمنطوقه هو الذي دلَّت عليه سائر أحاديث جابر بمفهومها. فتوافقت السنن وائتلفت بحمد الله (٢)، وزال عنها ما يظَنُّ بها من التعارض. وحديثُ أبي رافع الذي رواه البخاري يدلُّ على مثل ما دلَّ عليه حديثُ عبد الملك، فإنه دلَّ على الأخذ بالجوار حالة الشركة في الطريق،


(١) انظر: «اختيارات البعلي» (ص ١٦٧) و «تهذيب السنن» (٢/ ٥٤٠ - ٥٤١). وسيأتي الكلام مرة أخرى في فصل الحيل.
(٢) في النسخ المطبوعة: «بحمد الله وائتلفت».