للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا الثالث. فيا لله العجب! كيف تُستباح الفروج والدماء والأموال والحقوق وتُحلَّل وتُحرَّم بأمرٍ أحسنُ أحواله وأفضلُها «لا أدري»؟

فإن كنتَ لا تَدرِي فتلك مصيبةٌ ... وإن كنتَ تَدرِي فالمصيبةُ أعظم (١)

ويقال ثاني عشر: على أي شيء كان الناس قبل أن يولَد فلان وفلان وفلان (٢) الذين قلّدتموهم وجعلتم أقوالهم بمنزلة نصوص الشارع؟ وليتَكم اقتصرتم على ذلك، بل جعلتموها أولى بالاتباع من نصوص الشارع، أفكان الناس قبل وجود هؤلاء على هُدًى أو على ضلالة؟ فلا بدَّ من أن تُقِرّوا بأنهم كانوا على هدى، فيقال لهم: فما الذي كانوا عليه غير اتباع القرآن والسنن والآثار، وتقديم قول الله ورسوله وآثار الصحابة على ما يخالفها، والتحاكم إليها دون قول فلان ورأي فلان؟ وإذا كان هذا هو الهدى فماذا بعدَ الحقّ إلا الضلال فأنى تؤفكون؟

فإن قالت كلُّ فرقةٍ من المقلّدين، وكذلك يقولون: صاحبنا (٣) هو الذي ثبتَ على ما مضى عليه السلف، واقتفى منهاجَهم، وسلك سبيلَهم، قيل لهم: فمَن سواه من الأئمة هل شارَك صاحِبَكم في ذلك أو انفرد صاحبُكم بالاتباع وحُرِمَه مَن عداه؟ فلا بدَّ من واحدٍ من الأمرين، فإن قالوا بالثاني فهم أضلُّ


(١) البيت لصفي الدين الحلّي في «ديوانه» (ص ٦٥) من قصيدة له في بحر الكامل، بتغيير طفيف للبيت الذي هنا من بحر الطويل، وضمّنه المؤلف في ميميته في «طريق الهجرتين» (١/ ١١٢)، وأنشده شيخ الإسلام كما هنا في «منهاج السنة» (٤/ ١٢٨، ٥/ ١٦٢، ٧/ ٢٥٣، ٤٥٩).
(٢) «وفلان» ساقطة من ت.
(٣) «صاحبنا» ساقطة من د.