للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بحضرة الرشيد لما ناظره مالك وتبيَّن له الحق؛ فلا يُلحَق بهذا عملهم من طريق الاجتهاد، ويُجعل ذلك نقلًا متصلًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتُترك (١) له السنن الثابتة، فهذا لون وذاك لون، وبهذا التمييز والتفصيل يزول الاشتباه ويظهر الصواب.

ومن المعلوم أن العمل بعد انقراض عصر الخلفاء الراشدين والصحابة بالمدينة كان بحسب من فيها من المفتين والأمراء والمحتسبين على الأسواق، ولم تكن الرعية تخالف هؤلاء، فإذا أفتى المفتون نفَّذه الوالي، وعمِلَ به المحتسب، وصار عملًا، فهذا هو الذي لا يُلتفَت إليه في مخالفة السنن، لا عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه والصحابة فذاك هو السنة، فلا يُخلَط أحدهما بالآخر، فنحن لهذا العمل أشدُّ تحكيمًا، وللعمل الآخر إذا خالف السنة أشدُّ تركًا، وبالله التوفيق.

وقد كان ربيعة بن أبي (٢) عبد الرحمن يفتي وسليمان بن بلال المحتسب ينفِّذ فتواه، فتعملُ الرعية بفتوى هذا وتنفيذ هذا، كما يطَّرد العمل في بلد أو إقليم ليس فيه إلا قول مالك على قوله وفتواه، ولا يجوِّزون العمل هناك بقول غيره من أئمة الإسلام، فلو عمل به أحد لاشتدَّ نكيرهم (٣) عليه، وكذلك بلد أو إقليم لم يظهر [١١٥/أ] فيه إلا مذهب أبي حنيفة فإن العمل المستمر عندهم على قوله، وكل طائفة اطَّرد عندهم عملُ من (٤) وصل إليهم


(١) ت: «نترك».
(٢) «أبي» ساقطة من ت.
(٣) ت: «تكبرهم».
(٤) «من» ليست في د.