للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غير عصير العنب، وقال: لا أسمِّيه خمرًا وإنما هو نبيذ. وكما يستحلُّها طائفة من المُجَّان إذا مُزِجت ويقولون: خرجت بالمَزْج عن اسم الخمر، كما يخرج الماء بمخالطة غيره له عن اسم الماء المطلق. وكما يستحلّها من يستحلّها إذا اتُّخِذت عقيدًا، ويقول: هذه عقيدٌ لا خمر، ومعلوم أن التحريم تابع للحقيقة والمفسدة لا للاسم والصورة؛ فإن إيقاع العداوة والبغضاء والصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة لا تزول بتبديل الأسماء والصور، وهل هذا إلا من سوء الفهم وعدم الفقه عن الله ورسوله؟

وأما استحلال السُّحت باسم الهدية فهو أظهر من أن يُذكر، كرشوة الحاكم والوالي وغيرهما، فإن المرتشي ملعونٌ هو والراشي (١)؛ لما في ذلك من المفسدة، ومعلوم قطعًا أنهما لا يخرجان عن الحقيقة وحقيقة الرشوة بمجرد اسم الهدية، وقد علما (٢) وعلم الله وملائكته ومن له اطلاع على الحيل أنها رشوة.

وأما استحلال القتل باسم الإرهاب الذي تسمِّيه ولاة الجور سياسةً وهيبةً وناموسًا وحرمةً للملك فهو أظهر من أن يذكر.

وأما استحلال الزنا باسم النكاح فهو الزنا بالمرأة التي لا غرض له أن يقيم معها ولا أن تكون زوجته، وإنما غرضه أن يقضي وطَرَه منها أو يأخذ جُعلًا على الفساد بها ويتوصَّل إلى ذلك باسم النكاح وإظهار صورته، وقد


(١) رواه أحمد (٦٥٣٢) وأبو داود (٣٥٨٠) والترمذي (١٣٣٧) وابن ماجه (٢٣١٣) من حديث عبد الله بن عمرو وصححه الترمذي وابن حبان (٥٠٧٧) والحاكم (٤/ ١٠٢).
(٢) في المطبوع: «علمنا» خلاف النسختين. والضمير للراشي والمرتشي.