للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أني فعلتُ لكان كذا وكذا، وأخبر أن ذلك ذريعة إلى عمل الشيطان (١)، فإنه لا يُجدِي عليه إلا الحزن والندم وضيقة الصدر والتسخُّط على المقدور واعتقاد أنه كان يمكنه دفع المقدور لو فعل ذلك، وذلك يُضعِف رضاه وتسليمه وتفويضه وتصديقه بالمقدور وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وإذا أعرض القلب عن هذا انفتح له عمل الشيطان، وما ذاك لمجرد لفظ «لو»، بل لِما قارنها من الأمور القائمة بقلبه المنافية لكمال الإيمان الفاتحة لعمل الشيطان، بل أرشد العبد في هذه الحال إلى ما هو أنفع له، وهو الإيمان بالقدر والتفويض والتسليم للمشيئة الإلهية وأنه ما شاء الله كان ولا بدّ؛ فمن رضي فله الرضى ومن سخِطَ فله السخط، فصلوات الله وسلامه على مَن كلامه شفاء للصدور ونور للبصائر وحياة للقلوب وغذاء للأرواح، فلقد أنعم به على عباده أتمَّ نعمة، ومنَّ عليهم به أعظم منَّة؛ فللّه النعمة وله المنّة والفضل وله الثناء الحسن.

الوجه الخامس والتسعون: أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن طعام المتباريينِ (٢)، وهما الرجلان يقصد كل منهما مباراة الآخر ومباهاته، إما في التبرعات كالرجلين [٥٣/أ] يصنع كل منهما دعوة يفتخر بها على الآخر ويباريه بها، وإما في المعاوضات كالمتبايعين يُرخِص كلٌّ منهما سِلعته لمنع الناس من الشراء من


(١) رواه مسلم (٢٦٦٤) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) رواه أبو داود (٣٧٥٤) والطبراني (١١٩٤٢) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، وصححه الحاكم (٤/ ١٢٨). وقد اختلف في وصله وإرساله عن عكرمة، فذكر أبو داود عن الأكثرين الإرسال، واختاره البغوي في «شرح السنة» (٩/ ١٤٤) والذهبي في «الميزان» ترجمة بقية بن الوليد (١/ ٣٣٤). وانظر: «السلسلة الصحيحة» (٦٢٦).