للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا محرم، كما عُذِر ابن عباس بإباحته بيعَ الدرهم بالدرهمين (١)، وإن لم يكن قصدها هذا، بل قصدت أن هذا من الكبائر التي يقاوم إثمها ثواب الجهاد، ويصير بمنزلة من عمل حسنةً وسيئةً بقدرها فكأنه لم يعمل شيئًا، ولو كان هذا اجتهادًا منها لم تمنع زيدًا منه، ولم تحكم ببطلان جهاده، ولم تَدْعُه إلى التوبة؛ فإن الاجتهاد لا يحرِّم الاجتهاد، ولا يُحكَم ببطلان عمل المسلم المجتهد بمخالفته لاجتهاد نظيره، والصحابة ــ ولا سيما أم المؤمنين ــ أعلم بالله ورسوله، وأفقه في دينه من ذلك.

وأيضًا فإن الصحابة كعائشة وابن عباس وأنس أفتوا بتحريم مسألة العِينة (٢)، وغلَّظوا فيها هذا التغليظ في أوقات ووقائع مختلفة؛ فلم يجئ عن واحد من الصحابة ولا التابعين الرخصة فيها، فيكون إجماعًا.

فإن قيل: فزيد بن أرقم قد خالف عائشة ومن ذكرتم، فغاية الأمر أنها مسألة قولين للصحابة، وهي مما يسوغ فيها الاجتهاد.

قيل: لم يقل زيد قطُّ إن هذا حلال، ولا أفتى بها يومًا ما، ومذهب الرجل لا يؤخذ من فعله؛ إذ لعله فعله ناسيًا أو ذاهلًا أو غيرَ متأمل ولا ناظر أو متأولًا أو ذنبًا يستغفر منه ويتوب أو يصرُّ عليه وله حسنات تقاومه، فلا تؤثّر شيئًا. قال بعض السلف (٣): [أضعفُ] (٤) العلمِ علم الرؤية، يعني أن


(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه
(٣) بنحوه قال عطاء الخراساني. ذكره ابن عبد البر في «الجامع» (١٤٤٧).
(٤) الزيادة من «بيان الدليل» (ص ٧٩) المصدر الذي نقل عنه المؤلف، وبها يستقيم المعنى.