للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ظاهرة. ألا ترى أنه بالغ في لعن المحلِّل للمفاسد الظاهرة والباطنة التي في التحليل التي يَعجِز البشر عن الإحاطة بتفاصيلها؛ فالتحيل على صحة هذا النكاح بتقديم اشتراط التحليل عليه وإخلاء صلبه عنه إن لم يَزِد مفسدتَه فإنه لا يُزِيلها ولا يخفِّفها. وليس تحريمه والمبالغة في لعن فاعله تعبُّدًا لا يُعقل معناه، بل هو معقول المعنى من محاسن الشريعة، بل لا يمكن شريعةَ الإسلام ولا غيرَها من شرائع الأنبياء أن تأتي بحيلة؛ فالتحيُّل على وقوعه وصحته إبطالٌ لغرض الشارع وتصحيحٌ لغرض المتحيِّل المخادع.

وكذلك الشارع حرَّم الصيد في الإحرام وتوعَّد بالانتقام على من عاد إليه بعد تحريمه، لما فيه من المفسدة الموجبة لتحريمه وانتقام الربّ من فاعله، ومعلوم قطعًا أن هذه المفسدة لا تزول بنَصْب الشِّباك له قبل الإحرام بلحظة، فإذا وقع فيها حالَ الإحرام أخذه بعد الحلِّ بلحظة، فإباحته لمن فعل هذا إبطالٌ لغرض الشارع الحكيم (١) وتصحيحٌ لغرض المخادع.

وكذلك إيجاب الشارع الكفارة على من وطئ في نهار رمضان، فيه من المصلحة جَبْر وَهنِ الصوم، وزجر الواطئ، وتكفير جرمه، واستدراك فرطه (٢)، وغير ذلك من المصالح التي علِمَها من شرعَ الكفارة وأحبَّها ورضيَها، فإباحةُ التحيُّلِ لإسقاطها بأن يتغدَّى قبل الجماع ثم يجامع نقضٌ لغرض الشارع وإبطال له، وإعمالٌ لغرض الجاني المتحيِّل وتصحيح له، ثم إن ذلك جناية على حقّ الله وحقّ العبيد؛ فهو إضاعة للحقَّين وتفويت لهما.


(١) «الحكيم» ليست في ز.
(٢) في النسختين: «ممارطه»، والمثبت من هامش د.