للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك الشارع شرع حدود الجرائم التي تتقاضاها الطِّباع أشدَّ تقاضٍ، لما في إهمال عقوباتها من مفاسد الدنيا والآخرة، بحيث لا يمكن سياسةَ ملكٍ ما من الملوك أن يخلو عن عقوباتها البتةَ، ولا يقوم مُلكه بذلك، فالإذن في التحيُّل لإسقاطها بصورة العقد وغيره مع وجود تلك المفاسد بعينها أو أعظم منها نقضٌ وإبطال لمقصود الشارع، وتصحيح لمقصود الجاني، وإغراء بالفساد، وتسليط للنفوس على الشر.

ويا لله العجب! كيف يجتمع في الشريعة تحريم الزنا والمبالغة [٦٣/أ] في المنع منه وقتلُ فاعله شرَّ القتلات وأقبحها وأشنعها وأشهرها، ثم يسقط بالتحيل عليه بأن يستأجرها لذلك أو لغيره ثم يقضي غرضه منها؟ وهل يَعجِز عن ذلك زانٍ أبدًا؟ وهل في طباع ولاة الأمر أن يقبلوا قول الزاني: أنا استأجرتُها للزنا، أو استأجرتها لتطوِيَ ثيابي ثم قضيتُ غرضي منها، فلا يحلُّ لك أن تقيم عليَّ الحدَّ؟ وهل ركَّب الله في فِطَر الناس سقوطَ الحدّ عن هذه الجريمة التي هي من أعظم الجرائم إفسادًا للفراش والأنساب بمثل هذا؟ وهل يُسقِط الشارع الحكيم الحدَّ عمن أراد أن ينكح أمه وابنته (١) وأخته بأن يعقد عليها العقد ثم يطأها بعد ذلك؟ وهل زاده صورةُ العقد المحرم إلا فجورًا وإثمًا واستهزاءً بدين الله وشرعه ولعبًا بآياته؟ فهل يليق به مع ذلك رفعُ هذه العقوبة عنه وإسقاطها بالحيلة (٢) التي فعلها مضمومةً إلى فعل الفاحشة بأمه وابنته؟ فأين القياس وذكر المناسبات والعلل المؤثّرة والإنكار


(١) ز: «وبنته».
(٢) في النسختين: «بالحسنة» مع كتابة «كذا» فوقها، مما يدلُّ على الشك في صحتها. وفي المطبوعات: «بالحيلة»، وهي الصواب كما يدلّ عليها السياق.