للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن هذا خلاف المفهوم من القرآن وخلاف ما عليه الأكثرون، وفيه ترويعٌ لمن لم يستوجب الترويع.

وأما على القول الأول (١) فقد قال كعب وغيره (٢): لما قال له إني أنا أخوك، قال: فأنا لا أفارقك. قال يوسف: فقد علمتَ اغتمام والدي بي، فإذا حبستُك ازداد غمُّه، ولا يمكنني هذا إلا بعد أن أشهِّرك بأمر فظيع وأنسبك إلى ما لا يحتمل، قال: لا أبالي، فافعلْ ما بدا لك فإني لا أفارقك، قال: فإني أدسُّ [٧٢/أ] صاعي هذا في رَحْلك، ثم أنادي عليك بالسرقة ليتهيَّأَ لي ردُّك، قال: فافعل. وعلى هذا فهذا التصرف إنما كان بإذن الأخ ورضاه.

ومثل هذا النوع ما ذكر أهل السير (٣) عن عدي بن حاتم أنه لما همَّ قومه بالردة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفَّهم عن ذلك، وأمرهم بالتربُّص، وكان يأمر ابنه إذا رعى إبل الصدقة أن يبعد، فإذا جاء خاصمه بين يدي قومه وهمَّ بضربه، فيقومون فيشفعون إليه فيه؛ ويأمره كل ليلة أن يزداد بعدًا، فلما كان ذات ليلة أمره أن يبعد بها جدًّا، وجعل ينتظره بعدما دخل الليل، وهو يلوم قومه على شفاعتهم ومنعهم إياه من ضربه، وهم يعتذرون عن ابنه، ولا ينكرون إبطاءه،


(١) «الأول» ليست في ز.
(٢) انظر: «الوسيط» للواحدي (٢/ ٦٢٣) و «تفسير البغوي» (٤/ ٢٦٠) والقرطبي (٩/ ٢٢٩).
(٣) ذكره الواقدي في «كتاب الردة» (١/ ٦٣) والدياربكري في «تاريخ الخميس» (٢/ ٢٠٣)، وقال الحافظ في «الفتح» (٨/ ١٠٣): «وذلك مشهور عند أهل العلم بالفتوح».