للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتأخُّر والانتقال، كما لو قال: «إذا متُّ فأنتِ طالق قبل موتي بشهر»، ومعلوم أنه لو قال مثل هذا [٩٠/أ] في الحسيات كان محالًا، فلو قال: «إذا زرتَني أكرمتُك قبل أن تزورني بشهر» كان محالًا، إلا أن يحمل كلامه على معنى صحيح، وهو إذا أردتَ أو عزمتَ على زيارتي أكرمتُك قبلها.

وسرُّ المسألة أن نقل الحقائق عن مواضعها ممتنع، والأحكام قابلة للنقل والتحويل والتقديم والتأخير، ولهذا لو قال: «أعتِقْ عبدَك عنّي» ففعل؛ وقع (١) العتق عن القائل، وجعل الملك متقدمًا على العتق حكمًا، وإن لم يتقدم عليه حقيقة.

وقولكم: «يلزمنا تجويز تقديم الطلاق على التطليق» فذلك غير لازم؛ فإنه إنما يقع بإيقاعه؛ فلا يسبِقُ إيقاعَه، بخلاف الشرط، فإنه لا يوجب وجودَ المشروط، وإنما يرتبط به، والارتباط أعمُّ من السابق والمقارن (٢) والمتأخر، والأعم لا يستلزم الأخصَّ.

ونكتة الفرق أن الإيقاع موجب للوقوع؛ فلا يجوز أن يسبقه أثره وموجبه، والشرط علامة على المشروط؛ فيجوز أن يكون قبله وبعده، فوِزانُ الشرط وِزانُ الدليل، ووِزانُ الإيقاع وِزانُ العلة، فافترقا.

وأما قولكم: «إن هذا التعليق يتضمَّن المحال إلى آخره»، فجوابه أن هذا التعليق تضمَّن شرطًا ومشروطًا، وقد تُعقد القضية الشرطية في ذلك للوقوع، وقد تُعقد للإبطال؛ فلا يوجد فيها الشرط ولا الجزاء، بل تعليق (٣) ممتنع


(١) ك: «فقد وقع».
(٢) ك: «المقارب».
(٣) ك: «تعلق».