للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صدقة أخرى، وربما علم أو توهَّم أنه إن لم يبِعْه إياها استرجعها منه، فيقول: ظفري بهذا الثمن خير من الحرمان.

العلة الثانية: قطع طمع نفسه عن العود في شيء أخرجه لله بكل طريق، فإن النفس متى طمعت في عوده بوجه ما فآمالُها بعدُ متعلقة به، فلم تطِبْ به نفسًا لله وهي متعلقة به، فقطع عليها طمعها (١) في العود، ولو بالثمن، ليتمحَّص الإخراج لله، وهذا شأن النفوس الشريفة (٢) ذوات الأقدار والهمم، أنها إذا أعطت عطاء لم تسمح بالعود فيه بوجه لا بشراء ولا غيره، وتعدُّ ذلك دناءة، ولهذا مثَّل النبي - صلى الله عليه وسلم - العائد في هبته بالكلب (٣) يعود في قيئه (٤)، لخِسَّته ودناءة نفسه وشُحِّه بما قاءه أن يفوته (٥).

فمن محاسن الشريعة منع المتصدق من شراء (٦) صدقته، ولهذا منع مِن سكنى بلاده التي هاجر منها لله وإن صارت بعد ذلك دارَ إسلام، كما منع النبي - صلى الله عليه وسلم - المهاجرين بعد الفتح من الإقامة بمكة فوق ثلاثة أيام (٧)، لأنهم خرجوا عن ديارهم لله؛ فلا ينبغي أن يعودوا في شيء تركوه لله، وإن زال


(١) ك: «طمعا».
(٢) «الشريفة» ليست في د.
(٣) ز: «كالكلب».
(٤) رواه مسلم (١٦٢٢) من حديث ابن عباس.
(٥) ز: «يعود به».
(٦) ك: «شرى».
(٧) كما في حديث العلاء بن الحضرمي الذي أخرجه البخاري (٣٩٣٣) ومسلم (١٣٥٢).