للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: أما أثر علي فرواه حماد بن سلمة (١) عن حميد عن الحسن أن رجلًا تزوَّج امرأة، وأراد سفرًا، فأخذه أهل امرأته، فجعلها طالقًا إن لم يبعث بنفقتها إلى شهر، فجاء الأجل، ولم يبعث إليها بشيء، فلما قدم خاصموه إلى علي، فقال علي - رضي الله عنه -: اضطهدتموه حتى جعلها طالقًا، فردَّها عليه.

ولا متعلَّق لهم بقوله «اضطهدتموه» لأنه لم يكن هناك إكراه، فإنهم إنما طالبوه بحق نفقتها فقط، ومعلومٌ أن ذلك ليس بإكراه على الطلاق ولا على اليمين، وليس في القصة أنهم أكرهوه بالقتل أو بالضرب أو بالحبس وأخذ المال على اليمين حتى يكون يمينَ مُكْرَه، والسائلون لم يقولوا لعلي شيئًا من ذلك البتة، وإنما خاصموه في حكم اليمين فقط، فنزَّل علي - رضي الله عنه - ذلك منزلةَ المضطهد حيث لم يُرِد طلاق امرأته، وإنما أراد التخلُّص إلى سفره بالحلف، فالحالف والمضطهد كل منهما لم يُرِد طلاق امرأته، فالمضطهد محمول على الطلاق تكلَّم به ليتخلَّص من ضرر الإكراه، والحالف حلف به ليتوصَّل إلى غرضه من الحضّ أو المنع أو التصديق أو التكذيب، ولو اختلف حال الحالف بين أن يكون مكرهًا أو مختارًا لسأله علي - رضي الله عنه - عن الإكراه وشروطه وحقيقته، وبأيِّ شيء أُكرِه، وهذا ظاهر بحمد الله، فارضَ للمقلِّد بما رضي لنفسه.

وأما أثر شُريح ففي «مصنف عبد الرزاق» (٢) عن هشام بن حسّان عن محمد بن سيرين عن شريح أنه خوصم إليه في رجل طلَّق امرأته إن أحدث


(١) ومن طريقه ابن حزم في «المحلى» (١٠/ ٢١٢). وتقدم هذا الأثر.
(٢) رقم (١١٣٢٢). وفيه: «عن هشيم»، خطأ. وما عند المؤلف موافق لما في «المحلى» (١٠/ ٢١٢). وقد تقدم هذا الأثر.