للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لهم قوانين سياسية ينتظم بها مصالح العالم. فتولَّد من تقصير أولئك في الشريعة، وإحداثِ هؤلاء ما أحدثوه من أوضاعِ سياستهم= شرٌّ طويلٌ، وفسادٌ عريضٌ؛ وتفاقم الأمر، وتعذَّر استدراكه. [٢٥١/ب] وأفرط فيه طائفة أخرى، فسوَّغت منه ما يناقِضُ حكَم الله ورسوله.

وكلا الطائفتين (١) أُتِيَتْ من قِبل تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله. فإن الله أرسل رسله وأنزل كتبه، ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل (٢)، قامت به السموات والأرض. فإذا ظهرت أمارات الحق، وقامت أدلة العقل، وأسفر صبحه بأيِّ طريق كان؛ فثمَّ (٣) شرعُ الله ودينُه ورضاه وأمرُه. والله تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته وأماراته في نوع واحد، وأبطل (٤) غيرَه من الطرق التي هي أقوى منه وأدلُّ وأظهر، بل بيَّن بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل والحق (٥)، وقيام الناس بالقسط، فأيُّ طريق استُخْرِج بها الحقُّ ومعرفةُ العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها. والطرق أسباب ووسائل لا تراد لذواتها، وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد؛ ولكن نبَّه بما شرعه من الطرق على أسبابها وأمثالها. ولن تجد


(١) كذا وقع في النسخ الخطية والمطبوعة و «البدائع» و «الطرق الحكمية» موضعَ «كلتا الطائفتين». وانظر تعليقي على «طريق الهجرتين» (٢/ ٥٠٥).
(٢) في النسخ المطبوعة: «العدل الذي»، كما في «البدائع» و «الطرق الحكمية».
(٣) ب: «فذلك من» موضع «فثم»، وكذا في المطبوع.
(٤) يعني: ولم يبطل. وفي «البدائع»: «ونفى». وفي ب: «ويُبطِلْ». ولعله إصلاح من بعض الناسخين، وكذا في المطبوع.
(٥) في النسخ المطبوعة: «الحق والعدل».