للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من هو أفضل منه، كما ولَّى خالد بن الوليد مِن حينِ أسلم على [٦٠/ب] حروبه لنكايته في العدو، وقدَّمه على بعض السابقين من المهاجرين والأنصار مثل عبد الرحمن بن عوف، وسالم مولى أبي حذيفة، وعبد الله بن عمر. وهؤلاء ممن أنفق مِن قبل الفتح وقاتل، وهم أعظم درجةً من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا. وخالد كان ممن أنفق من بعد الفتح وقاتل، فإنه أسلم بعد صلح الحديبية هو وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة الحَجَبي، ثم إنه فعل مع بني جَذيمة ما تبرَّأ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - منه حين رفع يديه إلى السماء، وقال: "اللهم إنّي أبرأ إليك مما صنع خالد" (١). ومع هذا فلم يعزله.

وكان أبو ذرٍّ من أسبق السابقين، وقال له: "يا أبا ذرّ، إني أراك ضعيفًا، وإني أُحِبُّ لك ما أُحِبّ لنفسي، لا تَأَمَّرَنَّ على اثنين، ولا تَوَلَّيَنَّ مالَ يتيم" (٢).

وأمَّر عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل، لأنه كان يقصد أخواله بني عُذْرة، فعَلِم أنهم يطيعونه ما لا يطيعون غيره للقرابة. وأيضًا فلِحُسن سياسة عمرو وخبرته وذكائه ودهائه، فإنه كان من أدهى العرب؛ ودهاةُ العرب أربعة هو أحدهم (٣). ثم أردفه بأبي عبيدة، وقال: "تَطاوعا، ولا تختلفا" (٤). فلما تنازعا


(١) أخرجه البخاري (٤٣٣٩) من حديث عبد الله بن عمر.
(٢) أخرجه مسلم (١٨٢٦) من حديث أبي ذر.
(٣) رواه ابن أبي خيثمة في "التاريخ" (٢٢٧٣ - السفر الثاني) من طريق مجالد عن الشعبي. والثلاثة الآخرون: معاوية بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، وزياد.
(٤) كذا في "منهاج السنة" (٥/ ٤٩١). ورواه أحمد (١٦٩٨) من حديث الشعبي مرسلًا، وفيه: "تطاوعا" فقط. واللفظ المذكور هنا وفي "المنهاج" جاء في حديث آخر أخرجه البخاري (٣٠٣٨) ومسلم (١٧٣٣) من حديث أبي موسى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه ومعاذًا إلى اليمن، فقال: "يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشِّرا ولا تنفِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا".