للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في أبيه وابنه. والواقع شاهد بذلك، وكثير من الناس يحابي صديقه وعشيره وذا وُدِّه أعظمَ مما يحابي أباه وابنه.

فإن قلتم: الاعتبار بالمظنة، وهي التي تنضبط؛ بخلاف الحكمة، فإنها لانتشارها وعدم انضباطها لا يمكن التعليل بها.

قيل: هذا صحيح في الأوصاف التي شهد (١) لها الشرع بالاعتبار، وعلَّق بها الأحكام، دون مظانّها. فأين علَّق الشارعُ عدمَ قبول الشهادة بوصف الأبوة أو البنوة أو الأخوة؟ والمانعون (٢) إنما نظروا إلى التهمة، فهي الوصف المؤثِّر في الحكم، فيجب تعليق الحكم به وجودًا وعدمًا. ولا تأثير [٦٦/أ] لخصوص القرابة ولا عمومها، بل قد توجد القرابة حيث لا تهمة، وتوجد التهمة حيث لا قرابة. والشارع إنما علَّق قبول الشهادة بالعدالة وكونِ الشاهد مرضيًّا، وعلَّق عدم قبولها بالفسق، ولم يعلِّق القبولَ والردَّ بأجنبية ولا قرابة.

قالوا: وأما قولكم: "إنه غير متهم معه في تلك العقود" فليس كذلك، بل هو متهم معه في المحاباة، ومع هذا (٣) فلا يوجب ذلك إبطالها. ولهذا لو باعه في مرض موته ولم يُحابِه لم يبطل البيع، ولو حاباه بطَل في قدر المحاباة. فعُلِّق البطلانُ بالتهمة، لا بمظنتها.

قالوا: وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنت ومالك لأبيك" فلا يمنع شهادة الابن لأبيه،


(١) ح، ف: "يشهد".
(٢) س، ع: "التابعون"، وكذا في النسخ المطبوعة، وهو تصحيف.
(٣) ع: "ذلك"، وكذا في النسخ المطبوعة.