للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمره وحرصه أنه إذا رأى ذا هيئة رثَّة وثياب دنيّة وحال زريّة نبَحَه وحمَل عليه، كأنه يتصوَّر مشاركته له ومنازعته في قوته. وإذا رأى ذا هيئة حسنة وثياب جميلة ورياسة وضع له خَطْمَه بالأرض، وخضَع له، ولم يرفع إليه رأسه.

وفي تشبيه مَن آثر الدنيا وعاجِلَها على الله والدار الآخرة مع وفور علمه بالكلب في حال لهفه سرٌّ [٩٧/أ] بديعٌ، وهو أنَّ هذا الذي حاله ما ذكره الله من انسلاخه من آياته واتباعه هواه، إنما كان لشدة لهفه على الدنيا، لانقطاع قلبه عن الله والدار الآخرة، فهو شديدُ اللهف عليها. ولهفُه نظيرُ لهفِ الكلب الدائم في حال إزعاجه وتركه. واللهف واللهث شقيقان وأخوان في اللفظ والمعنى (١).

قال ابن جريج: الكلب منقطع الفؤاد، لا فؤاد له. إن تحمل عليه يلهث وإن تتركه (٢) يلهث. فهو مثل الذي يترك الهدى، لا فؤاد له، إنما فؤاده منقطع (٣).

قلت: مراده بانقطاع فؤاده أنه ليس له فؤاد يحمله على الصبر وترك


(١) ت: "في المعنى واللفظ".
(٢) ت، ف: "أو تتركه"، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٣) رواه سُنيد بن داود في "التفسير" ــ ومن طريقه ابن جرير في "جامع البيان" (١٠/ ٥٨٦) ــ عن حجاج (وهو المصيصي)، عن ابن جريج به. ورواه أيضًا ابن المنذر وأبو الشيخ، كما في "الدر المنثور" للسيوطي (٦/ ٦٧٩).