للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي تكون الجنة فيه نُصْبَ الشمس والرياح، فتتربَّى الأشجار هناك أتمَّ تربيةٍ؛ فنزَل عليها من السماء مطرٌ عظيمُ القطر متتابعٌ، فروَّاها ونمَّاها، فآتت أكلها ضعفي ما تؤتيه (١) غيرُها بسبب ذلك الوابل. {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} مطر صغير القَطر، يكفيها لكرم منبتها، تزكو على الطَّلِّ، وتنمي (٢) عليه؛ مع أنَّ في ذكر نوعي الوابل والطلِّ إشارةً إلى نوعي الإنفاق الكثير والقليل. فمن الناس من يكون إنفاقه وابلًا، ومنهم من يكون إنفاقه طلًّا، والله لا يُضيع مثقال ذرة (٣).

فإن عرض لهذا العامل ما يُغرق أعماله ويُبطل حسناته كان بمنزلة رجلٍ {لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ [١٠٩/أ] وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} [البقرة: ٢٦٦]. فإذا كان يوم استيفاء الأعمال وإحراز الأجور وجد هذا العاملُ عملَه قد أصابه ما أصاب صاحبَ هذه الجنة، فحسرتُه حينئذ أشدُّ من حسرة هذا على جنته.

فهذا (٤) مثلٌ ضربه الله سبحانه في الحسرة بسلب (٥) النعمة عند شدة الحاجة إليها، مع عظم قدرها ومنفعتها. والذي ذهبت عنه قد أصابه الكبرُ


(١) ت: "تؤتي"، ولم يعجم حرف المضارع في ح، ع. والمثبت من س، ف. وفي النسخ المطبوعة: "يؤتيه".
(٢) في المطبوع: "تنمو" خلافًا للنسخ.
(٣) وقد توسَّع المصنف في تفسير المثل في "طريق الهجرتين" (٢/ ٨٠٣ - ٨٠٦).
(٤) س: "وهذا".
(٥) ع: "لسلب"، وكذا في النسخ المطبوعة.