للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: "ولعل هذا عِرقٌ نزَعه"، ولم يرخِّص له في الانتفاء منه (١). ومن تراجم البخاري على هذا الحديث: "باب مَن شبَّه أصلًا معلومًا بأصل مبيَّن قد بيَّن الله حكمَهما، لِيُفهِمَ السائلَ".

ثم ذكر بعده (٢) حديث ابن عباس: أن امرأة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: إنّ أمِّي نذرت أن تحُجَّ، فماتت قبل أن تحُجَّ، أفأحجُّ عنها؟ قال: "نعم، حُجِّي عنها، أرأيتِ لو كان على أمكِ دَينٌ أكنتِ قاضيتَه؟ ". قالت: نعم. فقال: "اقضُوا الله، فإنَّ الله أحقُّ بالوفاء".

وهذا الذي ترجمه البخاري هو فصلُ النزاع في القياس، لا كما يقوله [١١٩/أ] المُفْرِطون فيه ولا المفرِّطون. فإنَّ الناس فيه طرفان ووسط، فأحدُ الطرفين مَن ينفي العلل والمعاني والأوصاف المؤثِّرة، ويجوِّز ورودَ الشريعة بالفرق بين المتساويين والجمع بين المختلفين، ولا يثبت أن الله سبحانه شرَع الأحكام لعلل ومصالح، وربَطَها بأوصاف مؤثِّرةٍ فيها مقتضيةٍ لها طردًا وعكسًا؛ وأنه قد يوجب (٣) الشيءَ ويحرِّم نظيرَه من كلِّ وجه، ويحرِّم الشيءَ ويُبيح نظيرَه من كلِّ وجه، وينهى عن الشيء لا لمفسدة فيه، ويأمر به لا لمصلحة بل لمحض المشيئة المجرَّدة عن الحكمة والمصلحة.

وبإزاء هؤلاء قومٌ أفرطوا فيه، وتوسَّعوا جدًّا، وجمعوا بين الشيئين اللذين فرَّق الله بينهما بأدنى جامع من شَبَهٍ أو طردٍ أو وصفٍ يتخيَّلونه علَّةً يمكن أن يكون علَّته وأن لا يكون، فيجعلونه هو السبب الذي علَّق الله


(١) أخرجه البخاري (٧٣١٤) ومسلم (١٥٠٠) من حديث أبي هريرة.
(٢) برقم (٧٣١٥).
(٣) يعني: ويجوِّز الطرف المذكور أن الله سبحانه قد يوجب ...