للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورسوله عليه الحكمَ بالخَرْص والظن. وهذا هو الذي أجمع السلف على ذمِّه كما سيأتي إن شاء الله.

والمقصود: أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يذكر في الأحكام العِلَل والأوصاف المؤثِّرة فيها طردًا وعكسًا كقوله للمستحاضة التي سألته: هل تدع الصلاة زمنَ استحاضتها؟ فقال: "لا، إنما ذلك عِرْق، وليس بالحيضة" (١). فأمرها أن تصلِّيَ مع هذا (٢) الدم، وعلَّل بأنه دمُ عِرْق، وليس بدم حيض. وهذا قياس يتضمَّن الجمع والفرق.

فإن قيل: فشرطُ صحةِ القياس ذكرُ الأصلِ المقيس عليه، ولم يذكر في الحديث.

قيل: هذا من حسن الاختصار، والاستغناء بالوصف الذي يستلزم ذكرَ [١١٩/ب] الأصل المقيس عليه؛ فإن المتكلِّم قد يعلِّل بعلَّة يغني ذكرُها عن ذكر الأصل، ويكون تركُه لذكر الأصل أبلغَ من ذكره، فيعرف السامع الأصلَ حين يسمع ذكر العلة، فلا يشكل عليه. ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين علَّل عدمَ وجوبِ (٣) الصلاة مع هذا الدم بأنه عِرْقٌ صار الأصل الذي يُردّ إليه هذا الكلام معلومًا، فإن كلَّ سامعٍ سمِع هذا يفهم منه أنّ دمَ العِرْق لا يوجب ترك الصلاة. ولو قال: "هو عِرْق، فلا يوجب تركَ الصلاة كسائر دم العروق" لكان عِيًّا، وعُدَّ من الكلام الركيك، ولم يكن لائقًا بفصاحته. وإنما يليق هذا بعَجْرفة المتأخرين وتكلُّفهم وتطويلهم.


(١) أخرجه البخاري (٢٢٨) ومسلم (٣٣٣) من حديث عائشة أم المؤمنين.
(٢) لم يرد "هذا" في ح، ف.
(٣) كذا في النسخ، وهو سهوٌ. ومقتضى السياق: "عدم سقوط الصلاة".