للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البدن، فكيف يحرم سترُ الوجه في حقِّ المرأة، مع أمر الله لها أن تُدني عليها من جلبابها لئلا تُعرَف ويُفتتَن بصورتها؟ ولولا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في المحرم: "ولا يخمَّر رأسُه" (١) لجاز تغطيته بغير العمامة. وقد روى الإمام أحمد عن خمسة من الصحابة: عثمان، وابن عباس، وعبد الله بن الزبير، وزيد بن ثابت، وجابر= أنهم كانوا يخمِّرون وجوههم وهم مُحرمون (٢). فإذا كان هذا في حقِّ الرجل وقد أُمِر بكشف رأسه، فالمرأة بطريق الأولى والأحرى.

وقصَّرت طائفة أخرى، فلم تمنع المحرمة من البرقع ولا اللثام. قالوا: إلا أن يدخلا في اسم النقاب، فتُمنع منه. وعذر هؤلاء أن المرجع إلى ما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، ودخل في لفظ المنهيِّ عنه فقط.

والصواب: النهيُ عما دخل في عموم لفظه، وعموم معناه وعلته؛ فإن البرقع واللثام وإن لم يسمَّيا نقابًا فلا فرق بينهما وبينه. بل إذا نُهيت عن النقاب، فالبرقع واللثام أولى؛ ولذلك منعتها أم المؤمنين من اللثام (٣).

ومن ذلك: لفظ الفدية. أدخل فيها طائفة خُلْعَ الحيلة على فعل المحلوف عليه مما هو ضدّ الفدية، إذ المراد بقاء النكاح بالخلاص من الحِنْث، وهي إنما شرعت لزوال النكاح عند الحاجة إلى زواله. وأخرجت


(١) أخرجه البخاري (١٢٦٥) ومسلم (١٢٠٦) من حديث ابن عباس.
(٢) انظر: "الموطأ" للإمام مالك (١١٧١)، و"الأم" للإمام الشافعي (٨/ ٦٧٤)، و"المصنف" لابن أبي شيبة (١٤٤٥٠، ١٤٤٥١، ١٤٤٥٤، ١٤٤٥٥، ١٤٤٥٨، ١٤٤٥٩)، و"المحلى" ابن حزم (٧/ ٩١)، و"السنن الكبير" للبيهقي (٥/ ٥٤)، و"معرفة السنن والآثار" له (٤/ ١٧).
(٣) وانظر: "بدائع الفوائد" (٣/ ١٠٧٢ - ١٠٧٥)، و"تهذيب السنن" (١/ ٣٥٢ - ٣٥٤).