للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الجوهري (١): "الاستنباط كالاستخراج". ومعلوم أن ذلك قدر زائد على مجرَّدِ فهم اللفظ، فإن ذلك ليس طريقة الاستنباط؛ إذ موضوعات الألفاظ لا تنال بالاستنباط، وإنما تنال به العِلل والمعاني والأشباه والنظائر ومقاصد المتكلِّم. والله سبحانه ذمَّ مَن سمع ظاهرًا مجرَّدًا، فأذاعه وأفشاه؛ وحَمِد مَن استنبط (٢) من أولي العلم حقيقته ومعناه.

يوضِّحه أن الاستنباط استخراج الأمر الذي من شأنه أن يخفى على غير مستنبطه. ومنه: استنباط الماء من أرض البئر والعين. ومن هذا: قول علي بن أبي طالب وقد سئل: هل خصَّكم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء دون الناس؟ فقال: لا، والذي فلَق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهمًا يؤتيه الله عبدًا في كتابه (٣). ومعلوم أنَّ هذا الفهم قدر زائد على معرفة موضوع اللفظ وعمومه أو خصوصه، فإنَّ هذا قدر مشترك بين سائر من يعرف لغة العرب. وإنما هذا فهمُ لوازم المعنى ونظائره ومرادِ المتكلِّم بكلامه، ومعرفةُ حدود [١٣٥/أ] كلامه، بحيث لا يدخل فيها غيرُ المراد، ولا يخرج منها شيءٌ من المراد.

وأنت إذا تأمَّلتَ قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٧ - ٧٩]، وجدتَ الآية من أظهر الأدلة على نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّ هذا القرآن جاء من عند الله، وأنَّ الذي جاء به روح


(١) في "الصحاح" (نبط) ولفظه: "الاستنباط: الاستخراج". وقال في مادة (خرج): "الاستخراج كالاستنباط".
(٢) ح: "استنباط"، ولعله سهو، فأصلح في ف هكذا: "مِن استنباط أولي العلم".
(٣) أخرجه البخاري (٣٠٤٧).