للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: ٥]. وتجد تحته أيضًا أنَّه لا ينال معانيه ويفهمه كما ينبغي إلا القلوب الطاهرة، وأنَّ القلوب النجسة ممنوعة من فهمه، مصروفة عنه (١). فتأمَّلْ هذا النسب القريب وعقدَ هذه الأخوة بين هذه المعاني وبين المعنى الظاهر من الآية، واستنباطَ هذه المعاني كلِّها من الآية بأحسن وجه وأبينه. فهذا من الفهم الذي أشار إليه علي - رضي الله عنه -.

وتأمَّلْ قولَه تعالى لنبيِّه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: ٣٣] كيف تفهم (٢) منه أنه إذا كان وجودُ بدنه وذاته فيهم دفَعَ عنهم العذاب وهم أعداؤه، فكيف وجودُ سرِّه، والإيمانُ به، ومحبّتُه، ووجودُ ما جاء به= إذا كان في قوم أو كان في شخص؟ أفليس دفعُه العذابَ عنهم بطريق الأولى والأحرى؟

وتأمَّلْ قولَه تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: ٣١]، كيف تجد تحته بألطف دلالة وأدقِّها وأحسنها أنه من اجتنب الشرك جميعَه كُفِّرت عنه كبائره، وأن نسبة الكبائر إلى الشرك كنسبة الصغائر إلى الكبائر. فإذا وقعت الصغائر مكفَّرةً باجتناب الكبائر، فالكبائر تقع مكفَّرةً باجتناب الشرك. وتجد الحديث الصحيح كأنه مشتقٌّ من


(١) في "مجموع الفتاوى" (١٣/ ٢٤٢) أن هذا يروى عن طائفة من السلف. وانظر أيضًا: "مجموع الفتاوى" (٥/ ٥٥١) و"جامع المسائل" (٤/ ٦٥) و"التبيان" (ص ٣٤٠).
(٢) لم ينقط حرف المضارع إلا في ف. وفي النسخ المطبوعة: "يفهم".