للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأصحاب الحيل تركوا محضَ القياس، فإنَّ ما احتالوا عليه من العقود المحرَّمة مساوٍ من كلِّ وجه لها في القصد والحقيقة والمفسدة، والفارقُ أمر صوري أو لفظي لا تأثير له البتة. فأيُّ فرق بين أن يبيعه تسعة دراهم بعشرة ولا شيء معهما (١) وبين أن يضمَّ إلى أحد العوضين خرقةً تساوي فَلْسًا أو عودَ حطب أو أذنَ شاة ونحو ذلك؟ فسبحان الله! ما أعجب حال هذه الضميمة الحقيرة التي لا تُقصَد، كيف جاءت إلى المفسدة التي أذِنَ الله ورسوله بحربِ [١٧١/ب] من توسَّل إليها بعقد الربا، فأزالتها ومَحَتْها بالكلِّية، بل قلبتها مصلحةً، وجعلت حربَ الله ورسوله سِلْمًا ورضًى! وكيف جاء محلِّلُ الربا المستعار الذي هو أخو محلِّل النكاح إلى تلك المفاسد العظيمة، فكشَطَها كشطَ الجلد عن اللحم، بل قلبها مصالحَ بإدخال سلعة بين المترابيين (٢) تعاقدا عليها صورةً، ثم أعيدت إلى مالكها!

ولله ما أفقه ابنَ عباس في الدين وأعلمَه بالقياس والميزان، حيث سئل عما هو أقرب من ذلك بكثير، فقال: دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة (٣)! فيالله العجب، كيف اهتدت هذه الحريرةُ لقلب مفسدةِ الربا مصلحةً، ولعنةِ آكله رحمةً، وتحريمِه إذنًا وإباحةً!

ثم أين القياس والميزان في إباحة العِينة التي لا غرضَ للمرابيين في السلعة قط، وإنما غرضهما ما يعلمه الله ورسوله وهما والحاضرون، من أخْذ مائةٍ حالَّةٍ، وبذْل مائةٍ وعشرين مؤجَّلة، ليس لهما غرض وراء ذلك البتة.


(١) ع: «معها»، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٢) س، ع: «المرابيين»، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٣) سيأتي تخريجه.