للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكيف يقول الشارع الحكيم: إذا أردتم حِلَّ هذا فتحيَّلوا عليه بإحضار سلعة يشتريها آكلُ الربا بثمن مؤجَّل في ذمته، ثم يبيعها للمرابي بنقد حاضر، فينصرفان على مائة بمائة وعشرين، والسلعةُ حرفٌ جاء لمعنًى في غيره؟ وهل هذا إلا عدولٌ عن محض القياس، وتفريقٌ بين متماثلين في الحقيقة والقصد والمفسدة من كلِّ وجه؟ بل مفسدة الحيل الربوية أعظم من مفسدة الربا الخالي عن الحيلة، فلو لم تأت الشريعة بتحريم هذه الحيل لكان محضُ القياس والميزان [١٧٢/أ] العادل يوجب تحريمها. ولهذا عاقب الله سبحانه من احتال على استباحة ما حرَّمه بما لم يعاقِب به من ارتكب ذلك المحرَّمَ عاصيًا، فهذا من جنس الذنوب التي يتاب منها، وذاك من جنس البدع التي يظنُّ صاحبها أنه من المحسنين.

والمقصود: ذكرُ تناقض أصحاب القياس والرأي فيه، وأنهم يفرِّقون بين المتماثلين، ويجمعون بين المختلفين؛ كما فرَّقتم بين ما لو وكَّل رجلين معًا في الطلاق، فقلتم: لأحدهما أن ينفرد بإيقاعه، ولو وكَّلهما معًا في الخُلع لم يكن لأحدهما أن ينفرد به. وفرَّقتم (١) بما لا يُجدي شيئًا، وهو أن الخُلْع كالبيع، وليس لأحد الوكيلين الانفراد به، لأنه أشرك بينهما في الرأي، ولم يرض بانفراد أحدهما. وأما الطلاق فليس المقصود منه المال، وإنما هو تنفيذ قوله، وامتثال أمره؛ فهو كما لو أمرهما بتبليغ الرسالة. وهذا فرق لا تأثير له البتة، بل هو باطل، فإنَّ احتياجَ الطلاق (٢) ومفارقة الزوجة إلى الرأي والخبرة والمشاورة مثلُ احتياج الخُلع أو أعظم. ولهذا أمر الله سبحانه ببعث


(١) في النسخ المطبوعة بعده زيادة: «بين الأمرين».
(٢) ع: «احتياجه في الطلاق».