للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا فرقٌ إن صحَّ لكم في الأضحية لم يصحَّ لكم فيما ذكرناه من الصور، فكيف ولا يصحُّ (١)؟ فإن المقصود في الزكاة أمور عديدة. منها: سدُّ خَلَّة الفقير. ومنها: إقامة عبودية الله بفعل نفسِ ما أمَر به. ومنها: شكرُ نعمته عليه في المال. ومنها: إحراز المال وحفظه بإخراج هذا المقدار منه. ومنها: المواساة بهذا المقدار، لما علِم الله فيه من مصلحة ربِّ المال ومصلحة الآخذ. ومنها: التعبُّد بالوقوف عند حدود الله وأن لا ينقص منها ولا يغيَّر. وهذه المقاصد إن لم تكن أعظم من مقصود إراقة الدم في الأضحية، فليست بدونه، فكيف يجوز إلغاؤها واعتبارُ مجرَّدِ إراقة الدم؟

ثم إن هذا الفرق ينعكس عليكم من وجه آخر، وهو أن مقصود الشارع من إراقة دم الهدي والأضحية: التقرُّب إلى الله سبحانه بأجلِّ ما يقدر عليه من ذلك النوع وأعلاه وأغلاه ثمنًا وأنفَسه عند أهله. فإنه لن يناله سبحانه لحومها ولا دماؤها، وإنما يناله تقوى العبد منه، ومحبته له، وإيثاره بالتقرب إليه بأحبِّ شيء إلى العبد وآثَرِه عنده وأنفَسِه لديه، كما يتقرب المحبُّ إلى محبوبه بأنفَسِ ما يقدر عليه وأفضلِه عنده. ولهذا فطر الله العباد على أن من تقرَّب إلى محبوبه بأفضلِ هديةٍ يقدر عليها وأجلِّها وأعلاها كان أحظى لديه وأحبَّ إليه ممن تقرَّب إليه بألفِ واحدٍ رديءٍ [١٨٠/ب] من ذلك النوع.

وقد نبَّه سبحانه على هذا بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة: ٢٦٧].


(١) بعده زيادة في النسخ المطبوعة: «في الأضحية».