للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحج قطع ما توهَّمتموه (١) من دفع المال إليه يفعل به ما يريد، وإنما قصد إعانته على طاعة الله ليكون شريكًا له في الثواب، ذاك بالبدن وهذا بالمال. [١٨٣/أ] ولهذا عيَّن الحجَّ مصرفًا للوصية، فلا يجوز إلغاء ذلك، وتمكينه من المال يصرفه في ملاذِّه وشهواته. وهذا (٢) من أفسد القياس. وهو (٣) لو قال: «أعطُوا فلانًا ألفًا يبني (٤) بها مسجدًا أو سِقايةً أو قنطرةً» لم يجُز أن يأخذ الألف ولا يفعل ما أُوصي به، كذلك الحج سواء.

وفرَّقتم بين ما جمع محضُ القياس بينهما، فقلتم: إذا اشترى عبدًا ثم قال له: «أنت حرٌّ أمسِ» عتَق عليه. ولو تزوَّجها ثم قال لها: «أنتِ طالقٌ أمسِ» لم تطلق. وفرَّقتم بأن العبد لما كان حرًّا أمسِ اقتضى تحريمَ شرائه واسترقاقه اليوم، وأما الطلاق فكونُها مطلَّقةً أمسِ لا يقتضي تحريم نكاحها اليوم. وهذا فرق صوري لا تأثير له البتة، فإن الحكم إن جاز تقدُّمه (٥) على سببه وقع العتق والطلاق في الصورتين، وإن امتنع تقدُّمه (٦) على سببه لم يقع واحد منهما؛ فما بال أحدهما وقع دون الآخر؟

فإن قيل: نحن لم نفرِّق بينهما في الإنشاء، وإنما فرَّقنا بينهما في الإقرار والإخبار. فإذا أقرَّ بأن العبد حُرّ بالأمس فقد بطل أن يكون عبدًا اليوم، فعتَق


(١) س: «توهمتوه»! وفي ع: «توهموه»، وكذا في المطبوع.
(٢) الواو قبل «هذا» من ح، ف.
(٣) في النسخ المطبوعة بعده زيادة: «كما».
(٤) ع: «ليبني»، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٥) ت: «تقديمه»، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٦) زيد بعده في النسخ المطبوعة: «في الموضعين».