للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفلوات والأمصار البعرُ والرَّوث والأخباثُ لا تنجِّسها ما لم يأخذ وجه ربع الماء أو ثلثه، وقيل: أن لا يخلو دلوٌ عن شيء منه. ومعلوم أن ذلك الماء أقرب إلى الطيب والطهارة حسًّا وشرعًا من هذا.

ومن العجب أنكم نجَّستم الأدهان والألبان والخَلَّ والمائعات بأسرها بالقطرة من البول والدم، وعفوتم عما دون ربع الثوب من النجاسة المخففة، وعما دون قدر الكف من المغلَّظة. وقستم العفو عن رُبع الثوب على وجوب [١٨٥/أ] مسح ربُع الرأس ووجوب حَلْق رُبعه في الإحرام، وأين مسحُ الرأس من غسل النجاسة؟ ولم تقيسوا الماء والمائع على الثوب، مع عدم ظهور أثر النجاسة فيهما البتة، وظهور عينها ورائحتها في الثوب، ولا سيما عند محمَّد (١) حيث يعفو عن قدر ذراع في ذراع، وعند أبي يوسف عن قدر شبر في شبر. وبكلِّ حال، فالعفوُ عما هو دون ذلك بكثير، مما لا نسبة له إليه، في الماء والمائع الذي لا يظهر أثرُ النجاسة فيه بوجه، بل يُحيلها ويُذهِب عينهَا وأثرَها= أولى وأحرى.

وجمعتم بين ما فرَّق الشرعُ والحسُّ بينهما، فقستم المنيَّ الذي هو أصل الآدميين على البول والعَذِرة. وفرَّقتم بين ما جمع الشرع والحسّ بينهما، ففرَّقتم بين بعض الأشربة المسكرة وغيرها مع استوائهما (٢) في الإسكار، فجعلتم بعضها نجسًا كالبول، وبعضَها طاهرًا طيِّبًا كاللبن والماء.

وقلتم: لو وقع في البئر نجاسة تنجَّس ماؤها وطينها. فإن نُزِح منها دلو


(١) يعني الشيباني صاحب أبي حنيفة، وذكر بعده القاضي أبا يوسف.
(٢) س، ت: «استوائها»، وكذا في النسخ المطبوعة.