للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا صريح في القوَد في الشجَّة. ولهذا صولحوا من القود مرة بعد مرة حتى رضُوا. ولو كان الواجب الأَرْش (١) فقط لقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - حين طلبوا القود: إنه لا حقَّ لكم فيه، وإنما [١٩٣/أ] حقُّكم في الأرش.

فهذه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا إجماع الصحابة، وهذا ظاهر القرآن، وهذا محض القياس. فعارض المانعون هذا كلَّه بشيء واحد، وقالوا (٢): اللطمة والضربة لا يمكن فيهما المماثلة، والقصاص لا يكون إلا مع المماثلة. ونظرُ الصحابة أكمل، وأصحُّ، وأتبَع للقياس، كما هو أتبع للكتاب والسنة، فإن المماثلة من كلِّ وجه متعذِّرة، فلم يبق إلا أحد أمرين: قصاص قريب إلى المماثلة، أو تعزير بعيد منها. والأول أولى، لأن التعزير لا يُعتبَر فيه جنسُ الجناية ولا قدرُها، بل قد يعزَّر بالسوط والعصا، وقد يكون لطمه، أو ضربه بيده. فأين حرارة السوط ويبسه إلى لين اليد، وقد يزيد وينقص.

وفي العقوبة بجنس ما فعله تحرٍّ للمماثلة بحسب الإمكان، وهذا أقرب إلى العدل الذي أمر الله به، وأنزل به الكتاب والميزان. فإنه قصاص بمثل ذلك العضو في مثل المحلِّ الذي ضرَب فيه بقدره. وقد يساويه، أو يزيد قليلًا، أو ينقص قليلًا. وذلك عفوٌ لا يدخل تحت التكليف، كما لا يدخل تحت التكليف المساواةُ في الكيل والوزن من كلِّ وجه، كما قال تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [الأنعام: ١٥٢]، فأمر بالعدل


(١) الأرش: الدية.
(٢) قارن بكلام شيخ الإسلام في «قاعدة في شمول النصوص للأحكام» ضمن «جامع المسائل» (٢/ ٢٦٠ وما بعدها)، فالمصنف صادر عنه.