للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المقدور، وعفا عن غير المقدور منه (١).

وأما التعزير فإنه لا يسمَّى قصاصًا، فإن لفظ القصاص يدل على المماثلة. ومنه: قصَّ الأثرَ، إذا اتبعه. وقصَّ الحديثَ، إذا أتى به على وجهه. والمقاصَّة: سقوط أحد الدَّينين بمثله جنسًا وصفةً. [١٩٣/ب] وإنما هو تقويم للجناية، فهو قيمةٌ لغير المِثليِّ، والعدولُ إليه كالعدول إلى قيمة المتلف. وهو ضرب له بغير تلك الآلة في غير ذلك المحلِّ، وهو إما زائد وإما ناقص، ولا يكون مماثلًا ولا قريبًا من المثل. فالأول أقرب إلى القياس، والثاني تقويم للجناية بغير جنسها كبدل المتلف.

والنزاع أيضًا فيه واقع إذا لم يوجد مثلُه من كلِّ وجه، كالحيوان والعقار والآنية والثياب وكثير من المعدودات والمذروعات. فأكثر القيَّاسين (٢) من أتباع الأئمة الأربعة قالوا: الواجب في بدل ذلك عند الإتلاف: القيمة. قالوا: لأن المثل في الجنس يتعذَّر. ثم طرد أصحاب الرأي قياسَهم، فقالوا: وهذا هو الواجب في الصيد في الحرم والإحرام، إنما تجب قيمته لا مثلُه، كما لو كان مملوكًا. ثم طردوا هذا القياس في القرض، فقالوا: لا يجوز قرض ذلك، لأن موجب القرض ردُّ المثل، وهذا لا مثل له.

ومنهم من خرج عن موجب هذا القياس في الصيد، لدلالة القرآن والسنة وآثار الصحابة فضمَّنَ بمثله (٣) من النَّعم، وهو مِثلٌ مقيَّد بحسب


(١) وانظر في مسألة القصاص في اللطمة ونحوها: «تهذيب السنن» للمصنف (٣/ ١٢٨) وما بعدها، و «زاد المعاد» (٤/ ٧٧).
(٢) في النسخ المطبوعة: «القياسيين» كالعادة.
(٣) كذا في ع. وفي س: «يضمن مثله». وفي غيرهما: «يضمن بمثله» بإهمال حرف المضارع. ومن هنا زاد الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد قبله: «على أنه» بين حاصرتين لإقامة السياق، ثم حذف بعض من جاء بعده الحاصرتين! وفي «جامع المسائل» (٢/ ٢٦٢): «على أن الصيد يضمن».